تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٤١
وشرهم يزدادون. * (ثم أخذتهم) * بالعذاب أخذ عزيز مقتدر * (فكيف كان نكير) *، أي: إنكاري عليهم كفرهم، وتكذيبهم كيف حاله، كان أشد العقوبات، وأفظع المثلات. فمنهم من أغرقه، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلك بالريح العقيم. ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة، فليعتبر بهم، هؤلاء المكذبون، أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم ليسوا خيرا منهم، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير، ولهذا قال: * (فكأين من قرية) * أي: وكم من قرية * (أهلكناها) * بالعذاب الشديد، والخزي الدنيوي. * (وهي ظالمة) * بكفرها بالله وتكذيبها لرسله، لم يكن عقوبتنا لها، ظلما منا. * (فهي خاوية على عروشها) * أي: فديارهم متهدمة، قصورها، وجدرانها، قد سقطت على عروشها، فأصبحت خرابا، بعد أن كانت عامرة، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة. * (وبئر معطلة وقصر مشيد) * أي: وكم من بئر، قد كان يزدحم عليها الخلق، لشربهم، وشرب مواشيهم، ففقد أهلها، وعدم منها الوارد والصادر. وكم من قصر، تعب عليه أهله، فشيدوه، ورفعوه، وحصنوه، وزخرفوه، فحين جاءهم أمر الله، لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليا من أهله، قد صاروا عبرة لمن اعتبر، ومثالا لمن فكر ونظر. ولهذا دعا الله عباده إلى السير في الأرض، لينظروا، ويعتبروا فقال: * (أفلم يسيروا في الأرض) * بأبدانهم وقلوبهم * (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * آيات الله ويتأملون بها من مواقع عبره. * (أو آذان يسمعون بها) * أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب. ولهذا قال: * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *، أي: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية. * (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير) * أي: يتعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب، لجهلهم، وظلمهم، وعنادهم وتعجيزا لله، وتكذيبا لرسله، ولن يخلف الله وعده، فما وعدهم به من العذاب، لا بد من وقوعه، ولا يمنعهم منه مانع. وأما عجلته، والمبادرة فيه، فليس ذلك إليك يا محمد، ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم إيانا. فإن أمامهم، يوم القيامة، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم، ويجازون بأعمالهم، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم، ولهذا قال: * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * من طوله، وشدته، وهوله، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا، أم تأخر عنهم العذاب، فإن هذا اليوم، لا بد أن يدركهم. ويحتمل أن المراد: أن الله حليم، ولو استعجلوا العذاب، فإن يوما عنده، كألف سنة مما تعدون. فالمدة، وإن تطاولتموها، واستبطأتم فيها نزول العذاب، فإن الله يمهل المدد الطويلة، ولا يهمل، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه، لم يفلتهم. * (وكأين من قرية أمليت لها) * أي: أمهلتها مدة طويلة * (وهي ظالمة) * أي: مع ظلمهم، فلم يكن مبادرتهم بالظلم، موجبا لمبادرتنا بالعقوبة. * (ثم أخذتها) * بالعذاب * (وإلي المصير) * أي: مع عذابها في الدنيا، سترجع إلى الله، فيعذبها بذنوبها. فليحذر هؤلاء الظالمون، من حلول عقاب الله، ولا يغتروا بالإمهال. * (قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين * فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا في آياتنا معاجزين أول ئك أصحاب الجحيم) * يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الناس جميعا، بأنه رسول الله حقا، مبشرا للمؤمنين بثواب الله، منذرا للكافرين والظالمين، من عقابه. وقوله: * (مبين) * أي: بين الإنذار، وهو التخويف، مع الإعلام بالمخوف، وذلك لأنه أقام البراهين الساطعة، على صدق ما أنذرهم به. ثم ذكر تفصيل النذارة، والبشارة فقال: * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) * لما حصل منهم من الذنوب. * (ورزق كريم) * هي الجنة. والكريم من كل نوع: ما يجمع فضائله ويجوز كمالاته. وحاصل معنى الآية. فالذين آمنوا بالله ورسوله واستقر ذلك الإيمان بقلوبهم حتى أصبح إيمانا صاقا وعملوا الأعمال الصالحة لهم مغفرة من الله لذنوبهم التي وقعوا فيها، كما أن لهم رزقا كريما في الجنة، جمع هذا الرزق جميع الفضائل والكمالات. * (والذين سعوا في آياتنا معاجزين) * أي: سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم * (أولئك) * الموصوفون بما ذكر من السعي والمعاجزة * (أصحاب الجحيم) * أي: ملازمون للنار الموقدة، المصاحبون لها في كل أوقاتهم، فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من أليم عقابها. وحاصل المعنى. والذين أجهدوا أنفسهم في محاربة القرآن، مسابقين المؤمنين في زعمهم، معارضين لهم، شاقين، زاعمين خطأ أنهم بذلك يبلغون ما يريدون، أولئك يخلدون في عذاب الجحيم.
(٥٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 ... » »»