تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٣٨
منهيا عنها عموما، وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصا. * (واجتنبوا قول الزور) * أي: جميع الأقوال المحرمات، فإنها من قول الزور. أمرهم أن يكونوا * (حنفاء لله) * مقبلين عليه، وعلى عبادته، معرضين عما سواه. * (غير مشركين به ومن يشرك بالله) * فمثله * (فكأنما خر من السماء) * أي: سقط منها * (فتخطفه الطير) * بسرعة * (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) * أي: بعيد، كذلك المشركون، فالإيمان بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة. ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء، كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دينه ودنياه. وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح فتعلوا به في طبقات الجو فتقذفه بعد أن تنقطع أعضاؤه في مكان بعيد جدا. * (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق) * أي: ذلك الذي ذكرناه لكم، من تعظيم حرماته وشعائره، والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * ومنها الهدايا والقربان للبيت. وتقدم أن معنى تعظيمها، إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها، باستحسانها واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله، صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها، يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله. * (لكم فيها) * أي: في الهدايا * (منافع إلى أجل مسمى) * هذا في الهدايا المسوقة، من البدن ونحوها، ينتفع بها أربابها، بالركوب، والحلب ونحو ذلك، مما لا يضرها * (إلى أجل مسمى) * مقدر، موقت وهو ذبحها، إذا وصلت * (محلها) * وهو * (البيت العتيق) * أي: الحرم كله (منى) وغيرها، فإذا ذبحت، أكلوا منها، وأهدوا، وأطعموا البائس الفقير. * (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإل هكم إل ه واحد فله أسلموا وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) * أي: ولكل أمة من الأمم السالفة، جعلنا منسكا، أي: فاستبقوا إلى الخيرات وسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملا، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا، إقامة ذكره، والالتفات لشكره. ولهذا قال: * (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد) *، وإن اختلفت أجناس الشرائع، فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو: ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به. ولهذا قال: * (فله أسلموا) * أي: انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فإن الإسلام له، طريق الوصول إلى دار السلام. * (وبشر المخبتين) * بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده. ثم ذكر صفات المخبتين فقال: * (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * أي: خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك، المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده. * (والصابرين على ما أصابهم) * من البأساء والضراء، وأنواع الأذى فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره. * (والمقيمي الصلاة) * أي: الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة. * (ومما رزقناهم ينفقون) * وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب. والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها. وأتى ب * (من) * المفيدة للتبعيض، ليعلم سهولة ما أمر الله به، ورغب فيه، وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله، ورزقه إياه. فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفق مما رزقك الله ينفق الله عليك، ويزدك من فضله. * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال الله لحومها ولا دمآؤها ول كن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) * هذا دليل على أن الشعائر عام، في جميع أعلام الدين الظاهرة. وتقدم أن الله أخبر أن من عظم شعائره، فإن ذلك من تقوى القلوب وهنا أخبر، أن من جملة شعائره، والبدن، أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتسمن، وتستحسن. * (لكم فيها خير) * أي: للمهدي وغيره، من الأكل، والصدقة، والانتفاع، والثواب، والأجر. * (فاذكروا اسم الله عليها) * أي: عند ذبحها قولوا (بسم الله) واذبحوها. * (صواف) * أي: قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تنحر. * (فإذا وجبت جنوبها) * أي: سقطت على الأرض جنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض، فحينئذ قد استعدت، لأن يؤكل منها. * (فكلوا منها) * وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه. * (وأطعموا القانع والمعتر) * أي: الفقير الذي لا يسأل، تقنعا، وتعففا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما، له حق فيهما. * (كذلك سخرناها لكم) * أي: البدن * (لعلكم تشكرون) * الله على تسخيرها، فإنه، لولا تسخيره لها، لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذللها لكم، وسخرها، رحمة بكم وإحسانا إليكم،
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»