تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٤٩
بعد مضي أربعين يوما من النطفة. * (خلقنا العلقة) * بعد أربعين يوما * (مضغة) * أي: قطعة لحم صغيرة، بقدر ما يمضغ من صغرها. * (فخلقنا المضغة) * اللينة * (عظاما) * صلبة، قد تخللت اللحم، بحسب حاجة البدن إليها. * (فكسونا العظام لحما) * أي: جعلنا اللحم، كسوة للعظام، كما جعلنا العظام، عمادا للحم، وذلك في الأربعين الثالثة. * (ثم أنشأناه خلقا آخر) * نفخ فيه الروح، فانتقل من كونه جمادا، إلى أن صار حيوانا. * (فتبارك الله) * أي: تعالى، وتعاظم، وكثر خيره * (أحسن الخالقين) * * (الذي أحسن كل شيء خلقه * وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) * فخلقه كله حسن، والإنسان من أحسن مخلوقاته، بل هو أحسنها على الإطلاق كما قال تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) * ولهذا كان خواصه، أفضل المخلوقات وأكملها. * (ثم إنكم بعد ذلك) * الخلق، ونفخ الروح * (لميتون) * في أحد أطواركم وتنقلاتكم. * (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * فتجازون بأعمالكم، حسنها وسيئها. قال تعالى: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) *. * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) * لما ذكر تعالى خلق الآدمي، ذكر مسكنه، وتوفر النعم عليه، من كل وجه فقال: * (ولقد خلقنا فوقكم) * سقفا للبلاد، ومصلحة للعباد * (سبع طرائق) * أي: سبع سماوات طباقا، كل طبقة فوق الأخرى، قد زينت بالنجوم، والشمس، والقمر، وأودع فيها من مصالح الخلق، ما أودع. * (وما كنا عن الخلق غافلين) * فكما أن خلقنا عام لكل مخلوق، فعلمنا أيضا، محيط بما خلقنا، فلا نغفل مخلوقا، ولا ننساه، ولا نخلق خلقا فنضيعه، ولا نغفل عن السماء فتقع على الأرض، ولا ننسى ذرة في لجج البحار، وجوانب الفلوات، ولا دابة إلا سقنا إليها رزقا * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) *. وكثير ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله: * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) *، * (بلى وهو الخلاق العليم) * لأن خلق المخلوقات، من أقوى الأدلة العقلية، على علم خالقها وحكمته. * (وأنزلنا من السماء ماء) * يكون رزقا لكم ولأنعامكم، بقدر ما يكفيكم، فلا ينقصه، بحيث يتلف المساكن، ولا تعيش منه النباتات والأشجار، بل أنزله وقت الحاجة لنزوله، ثم صرفه، عند التضرر من دوامه. * (فأسكناه في الأرض) * أي: أنزلناه عليها، فسكن واستقر، وأخرج بقدرة منزله، جميع الأزواج النباتية، وأسكنه أيضا معدا، في خزائن الأرض، بحيث لم يذهب نازلا، حتى لا يوصل إليه، ولا يبلغ قعره. * (وإنا على ذهاب به لقادرون) *، إما بأن لا ننزله، أو ننزله، فيذهب نازلا، لا يوصل إليه، أو لا يوجد منه المقصود منه، وهذا تنبيه منه لعباده، أن يشكروه على نعمته، ويقدروا عدمها، ماذا يحصل به من الضرر، كقوله تعالى: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) *. * (فأنشأنا لكم به) * أي: بذلك الماء * (جنات) * أي: بساتين * (من نخيل وأعناب) *. خص تعالى، هذين النوعين، مع أنه ينشر منه غيرهما من الأشجار، لفضلهما، ومنافعهما، التي فاقت بها الأشجار، ولهذا ذكر العام في قوله: * (لكم) * أي: في تلك الجنات * (فواكه كثيرة ومنها تأكلون) * من تين، وأترج، ورمان، وتفاح وغيرها. * (وشجرة تخرج من طور سيناء) * وهي شجرة الزيتون، أي: جنسها. خصت بالذكر، لأن مكانها خاص، في أرض الشام، ولمنافعها، التي ذكر بعضها في قوله: * (تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) * أي: فيها الزيت، الذي هو دهن، يكثر استعماله من الاستصباح به، واصطباغ للآكلين، أي: يجعل إداما للآكلين، وغير ذلك من المنافع. * (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) * أي: ومن نعمه عليكم، أن سخر لكم الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم، فيها عبرة للمعتبرين، ومنافع، للمنتفعين. * (نسقيكم مما في بطونها) * من لبن، يخرج من بين فرث ودم، لبن، خالص، سائغ للشاربين. * (ولكم فيها منافع كثيرة) * من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، وجعل لكم من
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»