تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٣١
التي مع الحفظة. أي: ومن يعمل من الصالحات، أو عملها وهو ليس بمؤمن، فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه. * (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) * أي: يمتنع على القرى المهلكة المعذبة، الرجوع إلى الدنيا، ليستدركوا ما فرطوا فيه فلا سبيل إلى الرجوع لمن أهلك وعذب. فليحذر المخاطبون، أن يستمروا على ما يوجب الإهلاك فيقع بهم، فلا يمكن رفعه، وليقلعوا وقت الإمكان والإدراك. * (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يويلنا قد كنا في غفلة من ه ذا بل كنا ظالمين) * هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض. وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس وفي هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي: يسرعون. في هذا، دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم. * (واقترب الوعد الحق) * أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون: * (قد كنا في غفلة عن هذا) * اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا. * (بل كنا ظالمين) * اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون، ولهذا قال: * (إنكم وما تعبدون) * إلى * (توعدون) *. * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان ه ؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون * إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أول ئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون * لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة ه ذا يومكم الذي كنتم توعدون) * أي: وإنكم، أيها العابدون مع الله آلهة غيره * (حصب جهنم) *، أي: وقودها وحطبها * (أنتم لها واردون) * وأصنامكم. والحكمة في دخول الأصنام، النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: * (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها) * هذا كقوله تعالى: * (ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) *، وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينقلون عنها. * (لهم فيها زفير) * من شدة العذاب * (وهم فيها لا يسمعون) * صم بكم عمي، أو لا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها. ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته. وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة. * (أولئك عنها) * أي: عن النار * (مبعدون) * فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها. * (وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون) * من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب. * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه، وأن الله قد أمنهم مما يخافون. * (وتتلقاهم الملائكة) * إذا بعثوا من قبورهم، وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين: * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * فليهنكم ما وعدكم الله، وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة، وليكثر فرحكم وسروركم، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره. * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * يخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات على عظمها واتساعها كما يطوي الكاتب للسجل أي: الورقة المكتوب فيها، فتنتشر نجومها، وتكور شمسها وقمرها، وتزول عن أماكنها * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * أي: إعادتنا للخلق، مثل ابتدائنا لخلقهم، فكما ابتدأنا خلقهم، ولم يكونوا شيئا، كذلك نعيدهم بعد موتهم. * (وعدا علينا إنا كنا فاعلين) * ننفذ ما وعدنا، لكمال قدرته، وأنه لا تمتنع منه الأشياء. * (ولقد كتبنا في الزبور) * وهو الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة، كالتوراة ونحوها * (من بعد
(٥٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 535 536 537 538 ... » »»