والسيئات. * (فلا تظلم نفس) * مسلمة ولا كافرة * (شيئا) * بأن تنقص من حسناتها، أو يزاد في سيئاتها. * (وإن كان مثقال حبة من خردل) * التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، من خير أو شر * (أتينا بها) * واحضرناها، ليجازى بها صاحبها، كقوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *. * (قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا) *. * (وكفى بنا حاسبين) * يعني بذلك نفسه الكريمة، فكفى بها حاسبا، أي: عالما بأعمال العباد، حافظا لها، مثبتا لها في الكتاب، عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها واستحقاقها، موصلا للعمال جزاءها. * (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضيآء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وه ذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) * كثيرا ما يجمع تعالى، بين هذين الكتابين الجليلين، اللذين لم يطرق العالم أفضل منهما، ولا أعظم ذكرا، ولا أبرك، ولا أعظم هدى وبيانا، وهما: التوراة والقرآن. فأخبر أنه آتى موسى أصلا، وهارون تبعا * (الفرقان) * وهي التوراة الفارقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأنها * (ضياء) * أي: نور يهتدي به المهتدون، ويأتم به السالكون، وتعرف به الأحكام، ويميز به بين الحلال والحرام، وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية. * (وذكرا للمتقين) * يتذكرون به، ما ينفعهم، وما يضرهم، ويتذكر به الخير والشر، وخص * (المتقين) * بالذكر، لأنهم المنتفعون بذلك، علما وعملا، ثم فسر المتقين فقال: * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * أي: يخشونه في حال غيبتهم، وعدم مشاهدة الناس لهم، فمع المشاهدة أولى، فيتورعون عما حرم، ويقومون بما ألزم. * (وهم من الساعة مشفقون) * أي: خائفون وجلون، لكمال معرفتهم بربهم، فجمعوا بين الإحسان والخوف، والعطف، هنا، من باب عطف الصفات المتغايرات، الواردة على شيء واحد، وموصوف واحد. * (وهذا) * أي: القرآن * (ذكر مبارك أنزلناه) * فوصفه بوصفين جليلين، كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم، ومن أحكام الجزاء، والجنة، والنار، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية، وسماه ذكرا، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر، من التصديق بالأخبار الصادقة، والأمر بالحسن عقلا، والنهي عن القبيح عقلا، وكونه * (مباركا) * يقتضي كثرة خيره ونماءه، وزيادته، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية، أو أخروية، فإنها بسببه، وأثر عن العمل به. فإذا كان ذكرا مباركا، وجب تلقيه بالقبول والانقياد، والتسليم، وشكرا لله على هذه المنحة الجليلة، والقيام بها، واستخراج بركته، بتعلم ألفاظه ومعانيه، ومقابلته بضد هذه الحالة، من الإعراض عنه، والإضراب عنه صفحا، وإنكاره، وعدم الإيمان به فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم، ولهذا أنكر تعالى، على من أنكره فقال: * (أفأنتم له منكرون) *. * (ولقد آتينآ إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما ه ذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنآ آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآبآؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل ه ذا بآلهتنآ إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت ه ذا بآلهتنا يإبراهيم * قال بل فعله كبيرهم ه ذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما ه ؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا ينار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين * ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينآ إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزك اة وكانوا لنا عابدين) * لماذ كر تعالى موسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم، وكتابيهما قال: * (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) * أي: من قبل إرسال موسى ومحمد، ونزول كتابيهما. فأراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأعطاه من الرشد، الذي كمل به نفسه، ودعا الناس إليه، ما لم يؤته أحدا من العالمين، غير محمد، وأضاف الرشد إليه، لكونه رشدا بحسب حاله، وعلو مرتبته، وإلا، فلا مؤمن، له من الرشد، بحسب ما معه في الإيمان. * (وكنا به عالمين) * أي: أعطيناه رشده، واختصصناه بالرسالة والخلة، واصطفيناه في الدنيا والآخرة، لعلمنا أنه أهل لذلك، وكفء له، لزكائه وذكائه، ولهذا ذكر محاجته لقومه، ونهيهم عن الشرك، وتكسير الأصنام، وإلزامهم بالحجة. فقال: * (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) * التي مثلتموها ونحتموها بأيديكم، على صور بعض المخلوقات * (التي أنتم لها عاكفون) * مقيمون على عبادتها، ملازمون لذلك، فما هي؟ وأي فضيلة ثبتت لها؟ وأين عقولكم، التي ذهبت حتى أفنيتم أوقاتكم بعبادتها؟ والحال أنكم مثلتموها، ونحتموها بأيديكم، فهذا من أكبر العجائب، تعبدون ما تنحتون.
(٥٢٥)