تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٣٢
الذكر) * أي: كتبناه في الكتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه والمكتوب في ذلك. * (أن الأرض) * أي: أرض الجنة * (يرثها عبادي الصالحون) * الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات، فهم الذين يورثهم الله الجنات، كقول أهل الجنة: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) *. ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) *. * (إن في ه ذا لبلاغا لقوم عابدين * ومآ أرسلناك إلا رحمة للعالمين * قل إنما يوحى إلي أنمآ إل هكم إل ه واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون * وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين * قال رب احكم بالحق وربنا الرحم ن المستعان على ما تصفون) * يثني الله تعالى على كتابه العزيز (القرآن) ويبين كفايته التامة عن كل شيء، وأنه لا يستغنى عنه فقال: * (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) * أي: يتبلغون به، في الوصول إلى ربهم، وإلى دار كرامته، فيوصلهم إلى أجل المطالب، وأفضل الرغائب، وليس للعابدين، الذين هم أشرف الخلق، وراءه غاية، لأنه الكفيل بمعرفة ربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبالإخبار بالغيوب الصادقة، وبالدعوة لحقائق الإيمان، وشواهد الإيقان، المبين للمأمورات كلها، والمنهيات جميعا، المعرف بعيوب النفس والعمل، والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله، والتحذير من طرق الشيطان، وبيان مداخله على الإنسان. فمن لم يغنه القرآن، فلا أغناه الله، ومن يكفيه، فلا كفاه الله. ثم أثنى على رسوله، الذي جاء بالقرآن فقال: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) *، فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به، قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفروها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته. * (قل) * يا محمد * (إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولهذا قال: * (فهل أنتم مسلمون) * أي: منقادون لعبوديته مستسلمون لألوهيته، فإن فعلوا فليحمدوا ربهم على ما من عليهم، بهذه النعمة، التي فاقت المنن. * (فإن تولوا) * عن الانقياد لعبودية ربهم، فحذرهم حلول المثلات، ونزول العقوبة. * (فقل آذنتكم) * أي: أعلمتكم بالعقوبة * (على سواء) * أي: علمي وعلمكم بذلك مستو فلا تقولوا إذا نزل بكم العذاب * (ما جاءنا من بشير ولا نذير) *. بل الآن، استوى علمي وعلمكم، لما أنذرتكم، وحذرتكم، وأعلمتكم بمآل الكفر، ولم أكتم عنكم شيئا. * (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) * أي: من العذاب لأن علمه عند الله، وهو بيده، ليس لي من الأمر شيء. * (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين) * أي: لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه، شر لكم، وإن تتمتعوا في الدنيا إلى حين، ثم يكون أعظم لعقوبتكم. * (قال رب احكم بالحق) * أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء، وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة، بما عاقب الله به الكافرين من وقعة (بدر) وغيرها. * (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) * أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم؛ سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعنا به، من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد. تم تفسير سورة الأنبياء، ولله الحمد والمنة. ا
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 535 536 537 538 539 ... » »»