تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٧٥
انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: * (ما لهم من دونه من ولي) *. أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق. * (ولا يشرك في حكمه أحدا) * وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه. * (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا) * ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب، أمر تعالى بالإقبال عليه فقال: * (واتل) * إلى قوله: * (ملتحدا) *. التلاوة هي الاتباع أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن، فوق كل غاية * (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) *. فلكمالها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك، أو شيء منه، وفي هذا، تعظيم للقرآن، في ضمنه، الترغيب على الإقبال عليه. * (ولن تجد من دونه ملتحدا) * أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده، الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسؤول في جميع المطالب. * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين * (الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله. فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر، بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى. * (ولا تعد عيناك عنهم) * أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك. * (تريد زينة الحياة الدنيا) * فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية. فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب، الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا، تروق للناظر، وتسحر القلب، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية ولهذا قال: * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) * غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره. * (واتبع هواه) * أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه كما قال تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) * الآية. * (وكان أمره) * أي: مصالح دينه ودنياه * (فرطا) * أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به. ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه. فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر، المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه يتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه. * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بمآء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أول ئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرآئك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) * أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم. أي: قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بينه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتضح، ولم يبق فيه شبهة.
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»