قال تعالى: * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) *. وقال تعالى: * (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله) *. * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا) * يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين، * (خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) *، أي: ما أحضرتهم ذلك، ولا شاورتهم عليه، فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟! بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير، هو الله، خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين، يوالون ويطاعون، كما يطاع الله، وهم لم يخلقوا، ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟ ولهذا قال: * (وما كنت متخذ المضلين عضدا) * أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشؤون، أي: ما ينبغي، ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم، فاللائق، أن يقصيهم ولا يدنيهم. ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال، وحكم بجهل صاحبه وسفهه، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة، وأن الله يقول لهم: * (نادوا شركائي) * بزعمكم أي: على موجب زعمكم الفاسد، وإلا، فالحقيقة، ليس لله شريك في الأرض ولا في السماء، أي: نادوهم، لينفعوكم، ويخلصوكم من الشدائد، * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * لأن الحكم والملك يومئذ لله، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه، ولا لغيره. * (وجعلنا بينهم) * أي: بين المشركين وشركائهم * (موبقا) * أي: مهلكا، يفرق بينهم وبينهم، ويبعد بعضهم من بعض، ويتبين حينئذ، عداوة الشركاء لشركائهم، وكفرهم بهم، وتبريهم منهم، كما قال تعالى: * (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) *. * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) * أي: لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل، وتميز كل فريق من الخلق بأعمالهم، وحقت كلمة العذاب على المجرمين، فرأوا جهنم قبل دخولها، فانزعجوا، واشتد قلقهم، لظنهم أنهم مواقعوها، وهذا الظن قال المفسرون: إنه بمعنى اليقين، فأيقنوا أنهم داخلوها * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * أي: معدلا يعدلون إليه، ولا شافع لهم من دون إذنه، وفي هذا من التخويف والترهيب، ما ترعد له الأفئدة والقلوب. * (ولقد صرفنا في ه ذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * يخبر الله تعالى، عن عظمة القرآن وجلالته وعمومه وأنه صرف فيه من كل مثل، أي: من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة، والسعادة الأبدية، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك، ففيه أمثال الحلال والحرام، وجزاء الأعمال، والترغيب والترهيب، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب، اعتقادا وطمأنينة، ونورا، وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن وتلقيه بالانقياد والطاعة، وعدم المنازعة له، في أمر من الأمور، ومع ذلك، كان كثير من الناس، يجادلون في الحق، بعد ما تبين، ويجادلون بالباطل * (ليدحضوا به الحق) * ولهذا قال: * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * أي: مجادلة ومنازعة فيه، مع أن ذلك، غير لائق بهم، ولا عدل منهم، والذي أوجب له ذلك، وعدم الإيمان بالله، إنما هو الظلم والعناد، لا لقصور في بيانه وحجته، وبرهانه، وإلا، فلو جاءهم العذاب، وجاءهم ما جاء قبلهم، لم تكن هذه حالهم، ولهذا قال: * (وما منع الناس) * إلى * (قبلا) *. * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا) * أي: ما منع الناس من الإيمان، والحال أن الهدى الذي يحصل به الفرق، بين الهدى والضلال، والحق والباطل، قد وصل إليهم، وقامت عليهم حجة الله، فلم يمنعهم عدم البيان، بل منعهم الظلم والعدوان، عن الإيمان، فلم يبق إلا أن تأتيهم سنة الله، وعادته في الأولين من أنهم إذا لم يؤمنوا، عوجلوا بالعذاب، أو يرون العذاب قد أقبل عليهم، ورأوه مقابلة ومعاينة، أي: فليخافوا من ذلك، وليتوبوا من كفرهم، قبل أن يكون العذاب الذي لا مرد له. * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا) * أي: لم نرسل الرسل عبثا، ولا ليتخذهم الناس أربابا، ولا ليدعوا إلى أنفسهم، بل أرسلناهم يدعون الناس إلى كل خير، وينهون عن كل شر، ويبشرونهم على امتثال ذلك، بالثواب العاجل، والآجل، وينذرونهم على معصية ذلك، بالعقاب العاجل، والآجل، فقامت بذلك حجة الله على العباد، ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون، إلا المجادلة بالباطل، ليدحضوا به الحق، فسعوا في نصر الباطل، مهما أمكنهم، وفي إدحاض الحق وإبطاله، واستهزؤوا برسل الله وآياته، وفرحوا بما عندهم من العلم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ويظهر الحق على الباطل * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) *، ومن حكمة الله ورحمته، أن تقييضه المبطلين المجادلين الحق بالباطل، من أعظم الأسباب إلى وضوح الحق وتبين شواهده وأدلته، وتبين الباطل وفساده، فبضدها تتبين الأشياء. * (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما
(٤٨٠)