تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٦٤
* (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) * يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: * (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره) * أي: قد كادوا لك أمرا لم يدركوه، وتحيلوا لك، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك. * (وإذا) * لو فعلت ما يهوون * (لاتخذوك خليلا) * أي: حبيبا صفيا، أعز عليهم من أحبابهم، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو. ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك، وينابذوك العداوة، إلا للحق الذي جئت به، لا لذاتك، كما قال الله تعالى: * (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) *. * (و) * مع هذا * (لولا أن ثبتناك) * على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم. * (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) * من كثرة المعالجة، ومحبتك لهدايتهم. * (إذا) * لو ركنت إليهم بما يهوون * (لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) *. أي: لأصبناك بعذاب مضاعف، في الدنيا والآخرة، وذلك لكمال نعمة الله عليك، وكمال معرفتك. * (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) * ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر، ومن الشر، فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه، فله عليك أتم نعمة، وأبلغ منحة. * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) * أي: من بغضهم لمقامك بين أظهرهم، وقد كادوا أن يخرجوك من الأرض، ويجلوك عنها. ولو فعلوا ذلك، لم يلبثوا بعدك إلا قليلا، حتى تحل بهم العقوبة، كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الأمم، كل أمة كذبت رسولها، وأخرجته، عاجلها الله بالعقوبة. ولما مكر به الذين كفروا، وأخرجوه، لم يلبثوا إلا قليلا، حتى أوقع الله بهم ب (بدر) وقتل صناديدهم، وفض بيضتهم فله الحمد. وفي هذه الآيات، دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه لا يزال متملقا لربه، أن يثبته على الإيمان، ساعيا في كل سبب موصل إلى ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق، قال الله له: * (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) * فكيف بغيره؟ وفيها تذكير الله لرسوله منته عليه، وعصمته من الشر. فدل ذلك، على أن الله يحب من عباده، أن يتفطنوا لإنعامه عليهم عند وجود أسباب الشر بالعصمة منه، والثبات على الإيمان. وفيها: أنه بحسب علو مرتبة العبد، وتواتر النعم عليه من الله، يعظم إثمه ويتضاعف جرمه، إذا فعل ما يلام عليه، لأن الله ذكر رسوله لو فعل وحاشاه من ذلك بقوله: * (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) *. وفيها أن الله إذا أراد إهلاك أمة، تضاعف جرمها، وعظم وكبر، فيحق عليها القول من الله، فيوقع بها العقاب، كما هي سنته في الأمم، إذا أخرجوا رسولهم. * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة تامة، ظاهرا، وباطنا في أوقاتها * (لدلوك الشمس) * أي: ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك، صلاة الظهر، وصلاة العصر. * (إلى غسق الليل) * أي: ظلمته، فيدخل في ذلك، صلاة المغرب، وصلاة العشاء. * (وقرآن الفجر) * أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها، أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها، حيث شهدها الله، وملائكة
(٤٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»