تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٦٨
من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) * أي: لست أيها الرسول المؤيد بالآيات، أول رسول كذبه الناس. فلقد أرسلنا قبلك، موسى بن عمران الكليم، إلى فرعون وقومه، وآتيناه * (تسع آيات بينات) * كل واحدة منها، تكفي لمن قصده اتباع الحق كالحية، والعصا، والطوفان والجراد، والقمل والضفادع، والدم، واليد، وفلق البحر. فإن شككت في شيء من ذلك * (فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون) * مع هذه الآيات * (إني لأظنك يا موسى مسحورا) *. * (قال) * (له موسى) * (لقد علمت) * (يا فرعون) * (ما أنزل هؤلاء) * (الآيات) * (إلا رب السماوات والأرض بصائر) * منه لعباده، فليس قولك هذا، بالحقيقة، وإنما قلت ذلك، ترويجا على قومك، واستخفافا لهم. * (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) * أي: ممقوتا ملقى في العذاب لك والذم واللعنة. * (فأراد) * (فرعون) * (أن يستفزهم من الأرض) * أي: يجليهم ويخرجهم منها. * (فأغرقناه ومن معه جميعا) * وأورثنا بني إسرائيل أرضهم وديارهم. ولهذا قال: * (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) * أي: جميعا، ليجازى كل عامل بعمله. * (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ومآ أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) * أي: وبالحق أنزلنا هذا القرآن الكريم، لأمر العباد، ونهيهم، وثوابهم، وعقابهم. * (وبالحق نزل) * أي: بالصدق والعدل، والحفظ من كل شيطان رجيم. * (وما أرسلناك إلا مبشرا) * من أطاع الله بالثواب العاجل والآجل. * (ونذيرا) * لمن عصى الله، بالعقاب العاجل والآجل، ويلزم من ذلك، بيان ما يبشر به وينذر. * (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا * قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنآ إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) * أي: وأنزلنا هذا القرآن مفرقا، فارقا بين الهدى والضلال، والحق والباطل. * (لتقرأه على الناس على مكث) * أي: على مهل، ليتدبروه، ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. * (ونزلناه تنزيلا) * أي: شيئا فشيئا، مفرقا في ثلاث وعشرين سنة. * (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) *. فإذا تبين أنه الحق، الذي لا شك فيه ولا ريب، بوجه من الوجوه: * (قل) *: لمن كذب به، وأعرض عنه: * (آمنوا به أو لا تؤمنوا) *. فليس لله حاجة فيكم، ولستم بضاريه شيئا، وإنما ضرر ذلك عليكم. فإن لله عبادا غيركم، وهم الذين آتاهم الله العلم النافع: * (إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) * أي: يتأثرون به غاية التأثر، ويخضعون له. * (ويقولون سبحان ربنا) * عما لا يليق بجلاله، مما نسبه إليه المشركون. * (إن كان وعد ربنا) * بالبعث والجزاء بالأعمال * (لمفعولا) * لا خلف فيه ولا شك. * (ويخرون للأذقان) * أي: على وجوههم * (يبكون ويزيدهم) * (القرآن) * (خشوعا) *. وهؤلاء كالذين من الله عليهم من مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره، ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك. * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحم ن أيا ما تدعوا فله الأسمآء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا * وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) * يقول تعالى لعباده: * (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * أي: أيهما شئتم. * (أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) * أي: ليس له اسم غير حسن، أي: حتى ينهى عن دعائه به، أي اسم دعوتموه به، حصل به المقصود، والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب، مما يناسب ذلك الاسم. * (ولا تجهر بصلاتك) * أي: قراءتك * (ولا تخافت بها) * فإن في كل من الأمرين محذورا. أما الجهر، فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه، سبوه، وسبوا من جاء به. وأما المخافتة، فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء. * (وابتغ بين ذلك) * أي: اتخذ بين الجهر والإخفات * (سبيلا) * أي: تتوسط فيما بينهما. * (وقل الحمد لله) * الذي له الكمال، والثناء، والحمد، والمجد من جميع الوجوه، المنزه عن كل آفة ونقص.
(٤٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 ... » »»