تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٥٧
بالعباد، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه، لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر، عبادة حاضرة، لأن الهم بفعل الحسنة، حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه، ليثاب على ذلك، ولعل الله ييسر له بسبب رجائه. ثم قال تعالى: * (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء) * من عباده * (ويقدر) * أي: يضيقه على من يشاء، حكمة منه. * (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم، ويدبرهم، بلطفه وكرمه. * (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) * وهذا من رحمته بعباده، حيث كان أرحم بهم من والديهم، فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم، خوفا من الفقر والإملاق، وتكفل برزق الجميع. وأخبر أن قتلهم كان خطئا كبيرا، أي: من أعظم كبائر الذنوب، لزوال الرحمة من القلب، والعقوق العظيم، والتجرؤ على قتل الأطفال، الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية. * (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * النهي عن قربان الزنى أبلغ من النهي عن مجرد فعله، لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، خصوصا هذا الأمر، الذي في كثير من النفوس، أقوى داع إليه. ووصف الله الزنى وقبحه بأنه * (كان فاحشة) * أي: إنما يستفحش في الشرع والعقل، والفطر، لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: * (وساء سبيلا) * أي: بئس السبيل، سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم. * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) * وهذا شامل لكل نفس * (حرم الله) * قتلها من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، ومسلم وكافر له عهد. * (إلا بالحق) * كالنفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه، المفارق للجماعة، والباغي في حال بغيه، إذا لم يندفع إلا بالقتل. * (ومن قتل مظلوما) * أي: بغير حق * (فقد جعلنا لوليه) * وهو، أقرب عصباته وورثته إليه * (سلطانا) * أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص، كالعمد العدوان، والمكافأة. * (فلا يسرف) * الولي * (في القتل إنه كان منصورا) *. والإسراف، مجاوزة الحد، إما أن يمثل بالقاتل، أو يقتله بغير ما قتل به، أو يقتل غير القاتل. وفي هذه الآية، دليل على أن الحق في القتل للولي، فلا يقتص إلا بإذنه، وإن عفا سقط القصاص. وإن ولي المقتول، يعينه الله على القاتل، ومن أعانه حتى يتمكن من قتله. * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم، الذي فقد والده، وهو صغير، غير عارف بمصلحة نفسه، ولا قائم بها، أن أمر أولياءه بحفظه، وحفظ ماله، وإصلاحه، وأن لا يقربوه * (إلا بالتي هي أحسن) * من التجارة فيه، وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى أن * (يبلغ) * اليتيم * (أشده) * أي: بلوغه، وعقله، ورشده، فإذا بلغ أشده، زالت عنه الولاية، وصار ولي نفسه، ودفع إليه ماله. كما قال تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) *، * (وأوفوا بالعهد) * الذي عاهدتم الله عليه، والذي عاهدتم الخلق عليه. * (إن العهد كان مسؤولا) * أي: مسؤولون عن الوفاء به. فإن وفيتم، فلكم الثواب الجزيل، وإن لم تفعلوا، فعليكم الإثم العظيم. * (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) * وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط، من غير بخس ولا نقص. ويؤخذ من عموم المعنى، النهي عن كل غش، أو مثمن، أو معقود عليه، والأمر بالنصح، والصدق في المعاملة. * (ذلك خير) * من عدمه * (وأحسن تأويلا) * أي: أحسن عاقبة، به يسلم العبد من التبعات، وبه تنزل البركة. * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أول ئك كان عنه مسؤولا) * أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك. * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته، أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون، إلا باستعمالها، بعبودية الله، وإخلاص الدين له، وكفها عما يكرهه الله تعالى. * (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك ممآ أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إل ها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) * يقول تعالى: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * أي: كبرا وتيها وبطرا، متكبرا على الحق، ومتعاظما في تكبرك على الخلق. * (انك) * في فعلك ذلك * (لن تخرق
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»