الليل والنهار. ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة، للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيها فرائض، لتخصيصها بالأمر. ومنها أن الوقت، شرط لصحة الصلاة، وأنه سبب لوجوبها لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات. وأن الظهر والعصر، يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك، للعذر، لأن الله جمع وقتهما جميعا. وفيه: فضيلة صلاة الفجر، وفضيلة إطالة القراءة فيها، وأن القراءة فيها ركن، لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها، دل على فرضية ذلك. وقوله: * (ومن الليل فتهجد به) * أي: صل به في سائر أوقاته. * (نافلة لك) * أي: لتكون صلاة الليل، زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل أن يكون المعنى: أن الصلوات الخمس فرض عليك، وعلى المؤمنين، بخلاف صلاة الليل، فإنها فرض عليك بالخصوص، ولكرامتك على الله أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك، وليكترثوا بك، وتنال بذلك، المقام المحمود، وهو المقام الذي يحمدك فيه، الأولون والآخرون، مقام الشفاعة العظمى، حين يتشفع الخلائق بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى. وكلهم يعتذر ويتأخر عنها، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم، ليرحمهم الله، من هول الموقف، وكربه. فيشفع عند ربه، فيشفعه، ويقيمه مقاما، يغطبه به، الأولون والآخرون. وتكون له المنة على جميع الخلق. وقوله: * (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) * أي: اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك، وعلى مرضاتك، وذلك لتضمنها الإخلاص، وموافقتها الأمر. * (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) * أي: حجة ظاهرة، وبرهانا قاطعا على جميع ما آتيه، وما أذره. وهذا أعلى حالة، ينزلها الله العبد، أن تكون أحواله كلها خيرا، ومقربة له إلى ربه، وأن يكون له على كل حالة من أحواله دليل ظاهر، وذلك متضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، للعلم بالمسائل والدلائل. وقوله: * (وقل جاء الحق وزهق الباطل) * والحق هو: ما أوحاه الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمره الله أن يقول ويعلن، وقد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء، وزهق الباطل أي: اضمحل وتلاشى. * (إن الباطل كان زهوقا) * أي: هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة ورواج، إذا لم يقابله الحق، فعند مجيء الحق، يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك. ولهذا لا يروج الباطل، إلا في الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته. * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) * وقوله: * (وننزل من القرآن) * إلى * (إلا خسارا) *. أي: فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة. وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به. وأما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارا. إذ به تقوم عليهم الحجة. فالشفاء الذي تضمنه القرآن، عام لشفاء القلوب، من الشبه، والجهالة، والآراء الفاسدة والانحراف السئ، والقصود الرديئة. فإنه مشتمل على العلم اليقين، الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير، الذي يزول به كل شهوة، تخالف أمر الله. ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها. وأما الرحمة، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل. * (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا) * هذه طبيعة الإنسان، من حيث هو إلا من هداه الله. فإن الإنسان عند إنعام الله عليه يفرح بالنعم، ويبطر بها، ويعرض، وينأى بجانبه عن ربه، فلا يشكره، ولا يذكره. * (وإذا مسه الشر) * كالمرض ونحوه * (كان يؤوسا) * من الخير، قد قطع من ربه رجاءه، وظن أن ما هو فيه، دائم أبدا. وأما من هداه الله، فإنه عند النعم يخضع لربه، ويشكر نعمته، وعند الضراء، يتضرع، ويرجو من الله عافيته، وإزالة ما يقع فيه، وبذلك يخف عليه البلاء. * (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * أي: * (قل كل) * من الناس * (يعمل على شاكلته) * أي: على ما يليق به من الأحوال. إن كانوا من الصفوة الأبرار، لم يشاكلهم إلا عملهم لرب العالمين. ومن كانوا من غيرهم من المخذولين لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين، ولم
(٤٦٥)