تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٦٦
يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم. * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * فيعلم من يصلح للهداية، فيهديه، ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه. * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل، التي يقصد بها التعنت والتعجيز، ويدع السؤال عن المهم، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها، كل أحد، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد. ولهذا أمر الله رسوله، أن يجيب سؤالهم بقوله: * (قل الروح من أمر ربي) * أي: من جملة مخلوقاته، التي أمرها أن تكون فكانت. فليس في السؤال عنها، كبير فائدة، مع عدم علمكم بغيرها. وفي هذه الآية دليل، على أن المسؤول إذا سئل عن أمر، الأولى به أن يعرض عن إجابة السائل عما سأل عنه، ويدله على ما يحتاج إليه، ويرشده إلى ما ينفعه. * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا) * يخبر تعالى أن القرآن والوحي، الذي أوحاه إلى رسوله، رحمة منه عليه، وعلى عباده، وهو أكبر النعم على الإطلاق على رسوله، فإن فضل الله عليه كبير، لا يقادر قدره. فالذي تفضل به عليك، قادر على أن يذهب به، ثم لا تجد رادا يرده، ولا وكيلا يتوجه عند الله فيه. فلتغتبط به، ولتقر به عينك، ولا يحزنك تكذيب المكذبين، ولا استهزاء الضالين. فإنهم عرضت عليهم أجل النعم، فردوها، لهوانهم على الله، وخذلانه لهم. * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل ه ذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * وهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع، على صحة ما جاء به الرسول وصدقه. حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم لا يأتون بمثله، ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه. ووقع كما أخبر الله، فإن دواعي أعدائه المكذبين به، متوفرة على رد ما جاء به، بأي وجه كان، وهم أهل اللسان والفصاحة. فلو كان عندهم أدنى تأمل، وتمكن من ذلك، لفعلوه. فعلم بذلك، أنهم أذعنوا غاية الإذعان، طوعا وكرها، وعجزوا عن معارضته. وكيف يقدر المخلوق من تراب، الناقص من جميع الوجوه، الذي ليس له علم، ولا قدرة، ولا إرادة، ولا مشيئة، ولا كلام ولا كمال، إلا من ربه أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات، المطلع على سائر الخفيات، الذي له الكمال المطلق، والحمد المطلق، والمجد العظيم، الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادا، والأشجار كلها أقلام، لنفذ المداد، وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلمات الله. فكما أنه ليس أحد من المخلوقين، مماثلا لله في أوصافه، فكلامه من أوصافه، التي لا يماثله فيها أحد. فليس كمثله شيء، في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله تبارك وتعالى. فتبا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق، وزعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه. * (ولقد صرفنا للناس في ه ذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا * وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا * وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا * قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا * قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * يقول تعالى: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) * أي: نوعنا فيه المواعظ والأمثال، وثنينا فيه المعاني، التي يضطر إليها العباد، لأجل أن يتذكروا ويتقوا، فلم يتذكر إلا القليل منهم، الذين سبقت لهم من الله، سابقة السعادة، وأعانهم الله بتوفيقه. وأما أكثر الناس، فأبوا إلا كفورا لهذه النعمة التي هي أكبر من
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»