جميع النعم، وجعلوا يتعنتون عليه باقتراح آيات، غير آياته، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة. فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية: * (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * أي: أنهارا جارية. * (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب) * فتستغنى بها عن المشي في الأسواق والذهاب والمجيء. * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) * أي: قطعا من العذاب. * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * أي: جميعا، أو مقابلة ومعاينة، يشهدون لك بما جئت به. * (أو يكون لك بيت من زخرف) * أي: مزخرف بالذهب وغيره. * (أو ترقى في السماء) * رقيا حسيا. * (و) * مع هذا * (لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) *. ولما كانت هذه تعنتات، وتعجيزات، وكلام أسفه الناس وأظلمهم، المتضمنة لرد الحق، وسوء أدب مع الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالآيات أمره الله أن ينزهه فقال: * (قل سبحان ربي) * عما تقولون علوا كبيرا، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة، وآرائهم الضالة. * (هل كنت إلا بشرا رسولا) * ليس بيده شيء من الأمر. وهذا السبب، الذي منع أكثر الناس من الإيمان، حيث كانت الرسل التي ترسل إليهم من جنسهم بشرا. وهذا من رحمته بهم، أن أرسل إليهم بشرا منهم، فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة. * (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين) * يثبتون على رؤية الملائكة، والتلقي عنهم * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * ليمكنهم التلقي عنه. * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) *، فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات، وما أنزل عليه من الآيات، ونصره على من عاداه وناوأه. فلو تقول عليه بعض الأقاويل، لأخذ منه باليمين، ثم لقطع منه الوتين. فإنه خبير بصير، لا تخفى عليه من أحوال العباد خافية. * (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا * ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا * أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا * قل لو أنتم تملكون خزآئن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) * يخبر تعالى أنه المنفرد بالهداية والإضلال. فمن يهده، فييسره لليسرى ويجنبه العسرى، فهو المهتدي على الحقيقة. ومن يضلله، فيخذله، ويكله إلى نفسه، فلا هادي له من دون الله. وليس له ولي ينصره من عذاب الله، حين يحشرهم الله على وجوههم خزيا، عميا، وبكما، لا يبصرون، ولا ينطقون. * (مأواهم) * أي: مقرهم ودارهم * (جهنم) * التي جمعت كل هم، وغم، وعذاب. * (كلما خبت) * أي: تهيأت للانطفاء * (زدناهم سعيرا) * أي: سعرناها بهم لا يفتر عنهم العذاب ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، ولم يظلمهم الله تعالى، بل جازاهم بما كفروا بآياته وأنكروا البعث الذي أخبرت به الرسل ونطقت به الكتب وعجزوا ربهم فأنكروا تمام قدرته. * (وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) * أي: لا يكون هذا لأنه في غاية البعد عن عقولهم الفاسدة. * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض) * وهي أكبر من خلق الناس. * (قادر على أن يخلق مثلهم) * بلى، إنه على ذلك قدير. * (و) * لكنه قد * (جعل لهم أجلا لا ريب فيه) * ولا شك، وإلا فلو شاء لجاءهم به بغتة، ومع إقامته الحجج والأدلة على البعث. * (فأبى الظالمون إلا كفورا) * ظلما منهم وافتراء. * (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) * التي لا تنفد ولا تبيد. * (إذا لأمسكتم خشية الإنفاق) * أي: خشية أن ينفد ما تنفقون منه، مع أنه من المحال أن تنفد خزائن الله، ولكن الإنسان مطبوع على الشح والبخل. * (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا * قال لقد علمت ما أنزل ه ؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصآئر وإني لأظنك يفرعون مثبورا * فأراد أن يستفزهم
(٤٦٧)