تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٦٢
الانقياد له. * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك ه ذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزآؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) * ينبه تبارك وتعالى عباده على شدة عداوة الشيطان، وحرصه على إضلالهم، وأنه لما خلق الله آدم، استكبر عن السجود له، و * (قال) * متكبرا: * (أأسجد لمن خلقت طينا) * أي: من طين، وبزعمه، أنه خير منه، لأنه خلق من نار. وقد تقدم فساد هذا القياس الباطل من عدة أوجه. فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم * (قال) * مخاطبا لله: * (أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته) * أي: لأستأصلنهم بالإضلال، ولأغوينهم * (إلا قليلا) * عرف الخبيث، أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه، ويعصيه. فقال الله له: * (اذهب فمن تبعك منهم) * واختارك على ربه وليه الحق. * (فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) * أي: مدخرا لكم، موفرا جزاء أعمالكم. ثم أمره الله أن يفعل كل ما يقدر عليه من إضلالهم فقال: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * ويدخل في هذا كل داع إلى المعصية. * (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) * ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله، فهو من خيل الشيطان ورجله. والمقصود أن الله ابتلى العباد بهذا العدو المبين، الداعي لهم إلى معصية الله، بأقواله وأفعاله. * (وشاركهم في الأموال والأولاد) * وذلك شامل لكل معصية، تعلقت بأموالهم وأولادهم، من منع الزكاة والكفارات، والحقوق الواجبة وعدم تأديب الأولاد، وتربيتهم على الخير، وترك الشر، وأخذ الأموال بغير حقها، أو وضعها بغير حقها، أو استعمال المكاسب الردية. بل ذكر كثير من المفسرين، أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد، ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع. وأنه إذا لم يسم الله في ذلك، شارك فيه الشيطان، كما ورد فيه الحديث. * (وعدهم) * الوعود المزخرفة التي لا حقيقة لها، ولهذا قال: * (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * أي: باطلا مضمحلا، كأن يزين لهم المعاصي والعقائد الفاسدة، ويعدهم عليها الأجر، لأنهم يظنون أنهم على الحق. وقال تعالى: * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) *. ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد، وذكر ما يعتصم به من فتنته، وهو عبودية الله، والقيام بالإيمان والتوكل قال: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * أي: تسلط وإغواء، بل الله يدفع عنهم بقيامهم بعبوديته كل شر، ويحفظهم من الشيطان الرجيم، ويقوم بكفايتهم. * (وكفى بربك وكيلا) * لمن توكل عليه، وأدى ما أمر به. * (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) * يذكر تعالى: نعمته على العباد، بما سخر لهم من الفلك، والسفن، والمراكب، وألهمهم كيفية صنعتها، وسخر لها البحر الملتطم، يحملها على ظهره، لينتفع العباد بها في الركوب والحمل للأمتعة، والتجارة. وهذا من رحمته بعباده، فإنه لم يزل بهم رحيما رؤوفا، يؤتيهم من كل ما تعلقت به إرادتهم ومنافعهم. ومن رحمته الدالة على أنه وحده المعبود، دون ما سواه، أنهم إذا مسهم الضر في البحر، فخافوا من الهلاك، لتراكم الأمواج، ضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله، في حال الرخاء من الأحياء، والأموات، فكأنهم لم يكونوا يدعونهم في وقت من الأوقات لعلمهم أنهم ضعفاء، عاجزون عن كشف الضر، وصرخوا بدعوة فاطر الأرض والسماوات الذي يستغيث به في شدائدها، جميع المخلوقات، وأخلصوا له الدعاء والتضرع في هذه الحال. فلما كشف الله عنهم الضر،
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»