تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٥٤
فنصرهم الله عليكم، فقتلوكم وسبوا أولادكم، ونهبوا أموالكم. * (فجاسوا خلال الديار) * وهتكوا الدور، ودخلوا المسجد الحرام، وأفسدوه. * (وكان وعدا مفعولا) * لا بد من وقوعه، لوجود سببه منهم. واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين، إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار، إما من أهل العراق، أو الجزيرة، أو غيرها سلطهم الله على بني إسرائيل، لما كثرت فيهم المعاصي، وتركوا كثيرا من شريعتهم، وطغوا في الأرض. * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) * أي: على هؤلاء الذين سلطوا عليكم، فأجليتموهم من دياركم. * (وأمددناكم بأموال وبنين) * أي: أكثرنا أرزاقكم، وكثرناكم، وقويناكم عليهم، * (وجعلناكم أكثر نفيرا) * منهم، وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله. * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) * لأن النفع عائد إليكم، حتى في الدنيا كما شاهدتم من انتصاركم على أعدائكم. * (وإن أسأتم فلها) * أي: فلأنفسكم يعود الضرر كما أراكم الله، من تسليط الأعداء. * (فإذا جاء وعد الآخرة) * أي: المرة الأخرى التي تفسدون فيها في الأرض، سلطنا عليكم الأعداء. * (ليسوؤا وجوهكم) * بانتصارهم عليكم وسبيكم * (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة) * والمراد بالمسجد، مسجد بيت المقدس. * (وليتبروا) * أي: يخربوا ويدمروا * (ما علوا) * عليه * (تتبيرا) * فيخربوا بيوتكم، ومساجدكم، وحروثكم. * (عسى ربكم أن يرحمكم) * فيديل لكم الكرة عليهم. فرحمهم، وجعل لهم الدولة. وتوعدهم على المعاصي فقال: * (وإن عدتم) * إلى الإفساد في الأرض * (عدنا) * إلى عقوبتكم. فعادوا لذلك، فسلط الله عليهم رسوله، محمدا صلى الله عليه وسلم، فانتقم الله به منهم، فهذا جزاء الدنيا، وما عند الله من النكال، وأعظم وأشنع، ولهذا قال: * (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * يصلونها، ويلازمونها، لا يخرجون منها أبدا. وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة، من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم، ما أصاب بني إسرائيل. فسنة الله واحدة، لا تبدل ولا تغير. ومن نظر إلى تسليط الكفرة والظلمة على المسلمين عرف أن ذلك، من أجل ذنوبهم، عقوبة لهم، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله، وسنة رسوله، مكن لهم في الأرض، ونصرهم على أعدائهم. * (إن ه ذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما) * يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته، وأنه * (يهدي للتي هي أقوم) * أي: أعدل وأعلى، من العقائد، والأعمال، والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن، كان أكمل الناس، وأقومهم، وأهداهم في جميع الأمور. * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) * من الواجبات والسنن. * (أن لهم أجرا كبيرا) * أعده الله لهم في دار كرامته، لا يعلم وصفه إلا هو. * (وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما) *، فالقرآن مشتمل على البشارة والنذارة، وذكر الأسباب التي تنال بها البشارة، وهو الإيمان، والعمل الصالح، والتي تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك. * (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) * وهذا من جهل الإنسان وعجلته، حيث يدعو على نفسه وأولاده بالشر عند الغضب، ويبادر بذلك الدعاء، كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله من لطفه يستجيب له في الخير، ولا يستجيب له بالشر. * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم) *. * (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا) * يقول تعالى: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) * أي: دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له. * (فمحونا آية الليل) * أي: جعلناه مظلما، للسكون فيه، والراحة، * (وجعلنا آية النهار مبصرة) * أي: مضيئة * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * في معايشكم، وصنائعكم، وتجاراتكم، وأسفاركم. * (ولتعلموا) * بتوالي الليل والنهار واختلاف القمر * (عدد السنين والحساب) * فتبنون عليها ما تشاؤون، من مصالحكم. * (وكل شيء فصلناه تفصيلا) * أي: بينا الآيات، وصرفناه، لتتميز الأشياء، ويتبين الحق من الباطل، كما قال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) *.
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»