تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٦٠
يزعمون أنهم أولو العقول والألباب، مثالا في جهل أظهر الأشياء، وأجلاها، وأوضحها براهين، وأعلاها، ليرى عباده، أنه ما ثم إلا توفيقه وإعانته، أو الهلاك والضلال. * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) *. ولهذا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنكرين للبعث استبعادا: * (كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر) * أي: يعظم * (في صدوركم) * لتسلموا بذلك على زعمكم، من أن تنالكم قدرة الله، أو تنفذ فيكم مشيئته. فإنكم غير معجزين الله، في أي حالة تكونون، وعلى أي وصف تتحولون. وليس في أنفسكم، تدبير في حالة الحياة، وبعد الممات. فدعوا التدبير والتصريف، لمن هو على كل شي قدير، وبكل شيء محيط. * (فسيقولون) * حين تقيم عليهم الحجة في البعث: * (من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة) * فكما فطركم، ولم تكونوا شيئا مذكورا، فإنه سيعيدكم خلقا جديدا * (كما بدأنا أول خلق نعيده) *. * (فسينغضون إليك رؤوسهم) * أي: يهزونها، إنكارا وتعجبا، مما قلت. * (ويقولون متى هو) * أي: متى وقت البعث، الذي تزعمه على قولك؟ ولا إقرار منهم لأصل البعث، بل ذلك سفه منهم، وتعجيز. * (قل عسى أن يكون قريبا) * فليس في تعيين وقته فائدة. وإنما الفائدة والمدار، على تقريره، والإقرار به، وإثباته، وإلا فكما هو آت، فإنه قريب. * (يوم يدعوكم) * للبعث والنشور، وينفخ في الصور. * (فتستجيبون بحمده) * أي: تنقادون لأمره، ولا تستعصون عليه. وقوله: * (بحمده) * أي: هو المحمود تعالى، على فعله، ويجزي به العباد، إذا جمعهم ليوم التناد. * (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) * من سرعة وقوعه، وأن الذي مر عليكم من النعيم، كأنه ما كان. فهذا الذي يقول عنه المنكرون: * (متى هو) *؟ يندمون غاية الندم، عند وروده، ويقال لهم: * (هذا الذي كنتم به تكذبون) *. * (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) * وهذا من لطفه بعباده، حيث أمرهم بأحسن الأخلاق، والأعمال، والأقوال، الموجبة للسعادة، في الدنيا والآخرة فقال: * (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) * وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله، من قراءة، وذكر، وعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف، مع الخلق، على اختلاف مراتبهم ومنازلهم. وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين، فإنه يأمر بإيثار أحسنهما، إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن، داع لكل خلق جميل، وعمل صالح، فإن من ملك لسانه، ملك جميع أمره. وقوله: * (إن الشيطان ينزغ بينهم) * أي: يسعى بين العباد، بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها. وأن يلينوا فيما بينهم، لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم، فإنه عدوهم الحقيقي، الذي ينبغي لهم أن يحاربوه، فإنه يدعوهم * (ليكونوا من أصحاب السعير) *. وأما إخوانهم، فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم، وسعى في العداوة، فإن الحزم كل الحزم، السعي في ضد عدوهم، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء، التي يدخل الشيطان من قبلها، فبذلك يطيعون ربهم، ويستقيم أمرهم، ويهدون لرشدهم. * (ربكم أعلم بكم) * من أنفسكم، فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير، ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم، وقد تريدون شيئا والخير في عكسه. * (إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم) * فيوفق من شاء لأسباب الرحمة، ويخذل من شاء، فيضل عنها، فيستحق العذاب. * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * تدبر أمرهم، وتقوم بمجازاتهم، وإنما الله هو الوكيل، وأنت مبلغ هاد إلى صراط مستقيم. * (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض) * من جميع أصناف الخلائق، فيعطي كلا منهم ما يستحقه، وتقتضيه حكمته، ويفضل بعضهم على بعض، في جميع الخصال الحسية، والمعنوية، كما فضل بعض النبيين المشتركين بوحيه على بعض بالفضائل، والخصائص الراجعة إلى ما من به عليهم، من الأوصاف الممدوحة، والأخلاق المرضية، والأعمال الصالحة، وكثرة الأتباع، ونزول الكتب على بعضهم، المشتملة على الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية. كما أنزل على داود زبورا، وهو الكتاب المعروف. فإذا كان تعالى قد فضل بعضهم على بعض، وآتى بعضهم كتبا، فلم ينكر المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم، ما أنزله الله عليه وما فضله به من النبوة والكتاب. * (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أول ئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) * يقول تعالى: * (قل) * للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا يعبدونهم، كما يعبدون الله، ويدعونهم كما يدعونه، ملزما لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين: * (ادعوا الذين زعمتم) * آلهة * (من دونه) * فانظروا هل ينفعونكم، أو
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»