تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٥٢
وباطنة، فقام بشكرها. فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن * (اجتباه) * ربه، واختصه بخلته، وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين. * (وهداه إلى صراط مستقيم) * في علمه وعمله، فعلم بالحق، وآثره على غيره. * (وآتيناه في الدنيا حسنة) * رزقا واسعا، وزوجة حسناء، وذرية صالحين، وأخلاقا مرضية. * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * الذين لهم المنازل العالية، والقرب العظيم من الله تعالى. ومن أعظم فضائله، أن الله أوحى لسيد الخلق وأكملهم، أن يتبع ملة إبراهيم، ويقتدي به، هو وأمته. * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * يقول تعالى: * (إنما جعل السبت) * أي: فرضا * (على الذين اختلفوا فيه) * حين ضلوا عن يوم الجمعة، وهم اليهود، فصار اختلافهم سببا لأن يجب عليهم في السبت احترامه وتعظيمه، وإلا فالفضيلة الحقيقية ليوم الجمعة، الذي هدى الله هذه الأمة إليه. * (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * فيبين لهم المحق من المبطل، والمستحق للثواب، ممن استحق العذاب. * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * أي: ليكن دعاؤك للخلق، مسلمهم وكافرهم، إلى سبيل ربك المستقيم، المشتمل على العلم النافع، والعمل الصالح. * (بالحكمة) * أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده. ومن الحكمة، الدعوة بالعلم، لا بالجهل، والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين. فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها. وإما بذكر إكرام من قام بدين الله، وإهانة من لم يقم به. وإما بذكر ما أعد الله للطائعين، من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل. فإن كان المدعو، يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا. من ذلك، الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة، تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها. وقوله: * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * أي: أعلم بالسبب، الذي أداه إلى الضلال، ويعلم أعماله المترتبة على ضلالته، وسيجازيه عليها. * (وهو أعلم بالمهتدين) * علم أنهم يصلحون للهداية، فهداهم، ثم من عليهم فاجتباهم. * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * يقول تعالى مبيحا للعدل، ونادبا للفضل والإحسان * (وإن عاقبتم) * من أساء إليكم بالقول والفعل * (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * من غير زيادة منكم، على ما أجراه معكم. * (ولئن صبرتم) * عن المعاقبة، وعفوتم عن جرمهم * (لهو خير للصابرين) * من الاستيفاء، وما عند الله، خير لكم، وأحسن عاقبة كما قال تعالى: * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) *، ثم أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله، والاستعانة بالله على ذلك، وعدم الاتكال على النفس فقال: * (واصبر وما صبرك إلا بالله) * هو الذي يعينك عليه ويثبتك. * (ولا تحزن عليهم) * إذا دعوتهم، فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا. * (ولا تك في ضيق) * أي شدة وحرج * (مما يمكرون) * فإن مكرهم عائد إليهم، وأنت من المتقين المحسنين. والله مع المتقين المحسنين، بعونه، وتوفيقه، وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله، بأن عبدوا الله، كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه، فإنه يراهم. والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه. نسأل الله أن يجعلنا من المتقين المحسنين.
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»