وهذا لشركائنا، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله) * الآية، وقال: * (تالله لتسألن عما كنتم تفترون) * وقال: * (آلله أذن لكم أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة) * فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة. * (ويجعلون لله البنات سبحانه) * حيث قالوا عن الملائكة، العباد المقربين: إنهم بنات الله، * (ولهم ما يشتهون) * أي: لأنفسهم الذكور، حتى إنهم يكرهون البنات، كراهة شديدة، فكان أحدهم * (إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا) * من الغم الذي أصابه * (هو كظيم) * أي: كاظم على الحزن والأسف، إذا بشر بأنثى، وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه، ويتوارى منهم من سوء ما بشر به. ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد، فيما يصنع بتلك البنت التي بشر بها * (أيمسكه على هون) * أي: يتركها من غير قتل على إهانة وذل؟ * (أم يدسه في التراب) * أي: يدفنها وهي حية، وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين، * (ألا ساء ما يحكمون) * إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله، من نسبة الولد إليه. ثم لم يكفهم هذا، حتى نسبوا له أردأ القسمين، وهو: الإناث، اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها، ويكرهونها، فكيف ينسبونها لله تعالى؟! فبئس الحكم حكمهم. ولما كان هذا من أمثال السوء، التي نسبها إليه أعداؤه المشركون، قال تعالى: * (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء) * أي: المثل الناقص والعيب التام، * (ولله المثل الأعلى) * وهو كل صفة كمال، وكل كمال في الوجود، فالله أحق به، من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه من الوجوه، وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه، وهو: التعظيم والإجلال، والمحبة والإنابة والمعرفة. * (وهو العزيز) * الذي قهر جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات بأسرها، * (الحكيم) * الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا يأمر، ولا يفعل، إلا ما يحمد عليه، ويثنى على كماله فيه. * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دآبة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * لما ذكر تعالى، ما افتراه الظالمون عليه، ذكر كمال حلمه وصبره فقال: * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) * من غير زيادة ولا نقص، * (ما ترك عليها من دابة) * أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات، فإن شؤم المعاصي، يهلك به الحرث والنسل. * (ولكن يؤخرهم) * عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * فليحذروا، ما داموا في وقت الإمهال، قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه. * (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون * تالله لقد أرسلنآ إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم) * يخبر تعالى أن المشركين * (يجعلون لله ما يكرهون) * من البنات، ومن الأوصاف القبيحة، وهو: الشرك، بصرف شيء من العبادات إلى بعض المخلوقات، التي هي عبيد لله، فكما أنهم يكرهون، ولا يرضون أن يكون عبيدهم وهم مخلوقون من جنسهم شركاء لهم فيما رزقهم الله، فكيف يجعلون له شركاء من عبيده؟!! * (و) * هم مع هذه الإساءة العظيمة * (تصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) * أي: أن لهم الحالة الحسنة في الدنيا والآخرة، فرد عليهم بقوله: * (لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) * مقدمون إليها، ماكثون فيها، غير خارجين منها أبدا. بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، أنه ليس هو أول رسول كذب فقال تعالى: * (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * رسلا يدعونهم إلى التوحد، * (فزين لهم الشيطان أعمالهم) * فكذبوا الرسل، وزعموا أن ما هم عليه، هو الحق المنجي من كل مكروه، وأن ما دعت إليه الرسل، فهو بخلاف ذلك، فلما زين لهم الشيطان أعمالهم. صار * (وليهم اليوم) * في الدنيا، فأطاعوه، واتبعوه، وتولوه. * (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) *. * (ولهم عذاب أليم) * في الآخرة، حيث تولوا، عن ولاية الرحمن، ورضوا بولاية الشيطان، فاستحقوا لذلك، عذاب الهوان. * (ومآ أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * يقول تعالى: وما أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن، إلا لتبين للناس الحق، فيما كان موضع اختلافهم، من التوحيد، والقدر، وأحكام الأفعال وأحوال المعاد، وليكون هداية تامة، ورحمة عامة، لقوم يؤمنون بالله، وبالكتاب الذي أنزله. * (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتهآ إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) * يذكر الله تعالى في هذه الآية نعمة من أعظم النعم ليعقلوا عن الله مواعظه وتذكيره، فيستدلوا بذلك على أنه وحده المعبود، الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، لأنه المنعم بإنزال المطر، وإنبات جميع أصناف النبات، وعلى أنه على كل شيء قدير، وأن الذي أحيا الأرض بعد موتها، قادر على إحياء الأموات، وأن الذي نشر هذا الإحسان، لذو رحمة واسعة، وجود عظيم. * (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سآئغا للشاربين * ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون
(٤٤٣)