الأنعام) * إما من الجلد نفسه، أو مما نبت عليه، من صوف وشعر ووبر. * (بيوتا تستخفونها) * أي: تجدونها خفيفة الحمل، تكون لكم * (يوم ظعنكم ويوم إقامتكم) * أي: في السفر والمنازل، التي لا قصد لكم في استيطانها فتقيكم من الحر، والبرد، والمطر، وتقي متاعكم من المطر، * (و) * (جعل لكم) * (من أصوافها) * أي: الأنعام * (وأوبارها وأشعارها أثاثا) * وهذا شامل لكل ما يتخذ منها، من الآنية، والأوعية، والفرش، والألبسة، والأجلة، وغير ذلك. * (ومتاعا إلى حين) * أي: تتمتعون بذلك في هذه الدنيا، وتنتفعون بها، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله. * (والله جعل لكم مما خلق) * أي: من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها * (ظلالا) * وذلك، كأظلة الأشجار، والجبال، والآكام ونحوها، * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * أي: مغارات، تكنكم من الحر والبرد، والأمطار، والأعداء. * (وجعل لكم سرابيل) * أي: ألبسة وثيابا * (تقيكم الحر) *، ولم يذكر الله البرد، لأنه قد تقدم أن هذه السورة، أولها في أصول النعم، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، وقاية البرد، من أصول النعم، فإنه من الضرورة، وقد ذكره في أولها في قوله: * (لكم فيها دفء ومنافع) *. * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * أي: وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب، من السلاح، وذلك، كالدروع، والزرود، ونحوها، * (كذلك يتم نعمته عليكم) * حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر * (لعلكم) * إذا ذكرتم نعمة الله، ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه * (تسلمون) * لعظمته، وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها، فكثرة النعم، من الأسباب الجالبة من العباد، مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون، إلا تمردا وعنادا. ولهذا قال الله عنهم: * (فإن تولوا) * عن الله، وعن طاعته، بعد ما ذكروا بنعمه وآياته، * (فإنما عليك البلاغ المبين) * ليس عليك من هدايتهم وتوفيقهم شيء بل أنت مطالب بالوعظ والتذكير، والإنذار والتحذير، فإذا أديت ما عليك، فحسابهم على الله، فإنهم يرون الإحسان، ويعرفون نعمة الله، ولكنهم ينكرونها ويجحدونها، * (وأكثرهم الكافرون) * لا خير فيهم، وما ينفعهم توالي الآيات، لفساد مشاعرهم، وسوء قصودهم، سيرون جزاء الله لكل جبار عنيد، كفور للنعم، متمرد على الله، وعلى رسله. * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون * وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون * وإذا رأى الذين أشركوا شركآءهم قالوا ربنا ه ؤلآء شركآؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون * وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يخبر تعالى، عن حال هؤلاء الذين كفروا في يوم القيامة، وأنه لا يقبل لهم عذر، ولا يرفع عنهم العقاب، وأن شركاءهم تتبرأ منهم، ويقرون على أنفسهم بالكفر والافتراء على الله، فقال: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * يشهد عليهم بأعمالهم، وماذا أجابوا به الداعي إلى الهدى، وذلك الشهيد الذي يبعثه الله، أزكى الشهداء وأعدلهم، وهم: الرسل الذين إذا شهدوا تم عليهم الحكم. * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار لأن اعتذارهم بعدما علموا يقينا، بطلان ما هم عليه، اعتذار كاذب، لا يفيدهم شيئا، وإن طلبوا أيضا الرجوع إلى الدنيا، ليستدركوا، لم يجابوا، ولم يعتبوا، بل يبادرهم العذاب الشديد، الذي لا يخفف عنهم من غير إنظار ولا إمهال، من حين يرونه، لأنهم لا حسنات لهم، وإنما تعد أعمالهم وتحصى، ويوقفون عليها ويقرون بها، ويفتضحون. * (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم) * يوم القيامة وعلموا بطلانها، ولم يمكنهم الإنكار. * (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك) * ليس عندها نفع ولا شفيع، فتوهوا بأنفسهم ببطلانها، وكفروا بها، وبدت البغضاء والعداوة بينهم وبينها، * (فألقوا إليهم القول) * أي: ردت عليهم شركاؤهم قولهم، فقالت لهم: * (إنكم لكاذبون) * حيث جعلتمونا شركاء لله، عبدتمونا معه، فلم نأمركم بذلك، ولا زعمنا أن فينا استحقاقا للألوهية، فاللوم عليكم. فحينئذ، استسلموا لله، وخضعوا لحكمه، وعلموا أنهم مستحقون للعذاب. * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * فدخلوا النار، وقد امتلأت قلوبهم من مقت أنفسهم، ومن حمد ربهم، وأنه لم يعاقبهم إلا بما كسبوا. * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * يذكر الله تعالى في هذه الآية عاقبة المجرمين حيث كفروا بأنفسهم، وكذوبا بآيات الله، وحاربوا رسله، وصدوا الناس عن سبيل الله، وصاروا دعاة إلى الضلال، فاستحقوا مضاعفة العذاب، كما تضاعف جرمهم، وكما أفسدوا في أرض الله. * (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك
(٤٤٦)