البدل، وأفضل العوض، * (واخفض جناحك للمؤمنين) * أي: ألن لهم جانبك، وحسن لهم خلقك، محبة، وإكراما، وتوددا. * (وقل إني أنا النذير المبين) * أي: قم بما عليك من النذارة، وأداء الرسالة، والتبليغ للقريب والبعيد، والعدو، والصديق، فإنك إذا فعلت ذلك فليس عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء. وقوله: * (كما أنزلنا على المقتسمين) * أي: كما أنزلنا العقوبة على بطلان ما جئت به، الساعين لصد الناس عن سبيل الله. * (الذين جعلوا القرآن عضين) * أي: أصنافا، وأعضاء، وأجزاء، يصرفونه بحسب ما يهوونه، فمنهم من يقول: سحر، ومنهم من يقول: كهانة ومنهم من يقول مفترى إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به، الذين جعلوا قدحهم فيه، ليصدوا الناس عن الهدى. * (فوربك لنسألنهم أجمعين) * أي: جميع من قدح فيه وعابه، وحرفه وبدله * (عما كانوا يعملون) *، وفي هذا أعظم ترهيب، وزجر لهم عن الإقامة على ما كانوا يعملون. * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إل ها آخر فسوف يعملون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * ثم أمر الله رسوله أن لا يبالي بهم، ولا بغيرهم، وأن يصدع بما أمر الله، ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمر عائق ولا تصده أقوال المتهوكين، * (وأعرض عن المشركين) * أي لا تبال بهم، واترك مشاتمتهم ومسابتهم، مقبلا على شأنك، * (إنا كفيناك المستهزئين) * بك وبما جئت به، وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، إلا أهلكه الله، وقتله شر قتله. ثم ذكر وصفهم وأنهم كما يؤذونك يا رسول الله، فإنهم أيضا، يؤذون الله * (الذين يجعلون مع الله إلها آخر) * وهو ربهم وخالقهم، ومنه برهم * (فسوف يعلمون) * غب أفعالهم إذا وردوا القيامة. * (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) * لك من التكذيب والاستهزاء. فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب، والتعجيل لهم بما يستحقونه، ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم. * (ف) * أنت يا محمد * (سبح بحمد ربك وكن من الساجدين) * أي: أكثر من ذكر الله، وتسبيحه، وتحميده، والصلاة، فإن ذلك يوسع الصدر، ويشرحه، ويعينك على أمورك. * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * أي: الموت، أي: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات، فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فلم يزل دائبا في العبادة، حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه وسلم، تسليما كثيرا. سورة النحل * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون * ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إل ه إلا أنا فاتقون) * يقول تعالى مقربا لما وعد به محققا لوقوعه: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) *، فإنه آت، وما هو آت فإنه قريب، * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * من نسبة الشريك، والولد والصاحبة، والكفء، وغير ذلك، مما نسبه إليه المشركون، مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله، ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه، ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه، مما يجب اتباعه، في ذكر ما ينسب لله، من صفات الكمال فقال: * (ينزل الملائكة بالروح من أمره) * أي: بالوحي الذي به حياة الأرواح * (على من يشاء من عباده) * ممن يعلمه صالحا، لتحمل رسالته. وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها، على قوله: * (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا) *، أي: على معرفة الله تعالى وتوحده، في صفات العظمة، التي هي صفات الألوهية، وعبادته وحده لا شريك له، فهي التي أنزل بها كتبه، وأرسل بها رسله، وجعل الشرائع كلها تدعو إليها، وتحث وتجاهد من حاربها، وقام بضدها، ثم ذكر الأدلة والبراهين على ذلك. * (خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) * فقال: * (خلق السماوات) * إلى * (لهداكم أجمعين) *، هذه السورة، تسمى سورة النعم، فإن الله ذكر في
(٤٣٥)