لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) * يخبر تعالى، عن جهل المشركين وظلمهم، أنهم يعبدون من دونه آلهة، اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا، من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء، ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون. فهذه صفة آلهتهم. كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات، الذي له الملك كله، والحمد كله، والقوة كلها؟!! ولهذا قال: * (فلا تضربوا لله الأمثال) * المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه، * (إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) * فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم، وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال، فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه، أحدهما عبد مملوك، أي: رقيق لا يملك نفسه، ولا يملك من المال والدنيا شيئا، والثاني حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا، من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان، مع أنهما مخلوقان، وغير محال استواؤهما. فإذا كانا لا يستويان، فكيف يستوي المخلوق والعبد، الذي ليس له ملك ولا قدرة، ولا استطاعه بل هو فقير من جميع الوجوه، بالرب المالك لجميع الممالك، القادر على كل شيء؟!! ولهذا حمد نفسه، واختص بالحمد بأنواعه، فقال: * (الحمد لله) *، فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم سوى المشركون آلهتهم بالله؟ قال: * (بل أكثرهم لا يعلمون) * فلو علموا حقيقة العلم، لم يتجرؤوا على الشرك العظيم. والمثل الثاني مثل * (رجلين أحدهما أبكم) * لا يسمع ولا ينطق * (لا يقدر على شيء) * لا قليل ولا كثير * (وهو كل على مولاه) * أي: يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه، فهو ناقص من كل وجه، هل يستوي هو، ومن يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم، فأقواله عدل، وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان، فلا يستوي من عبد من دون الله، وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها، لم يستطع شيئا منها، ولا يكون كفوا، ولا ندا، لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه. * (ولله غيب السماوات والأرض ومآ أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير) * أي: هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والأرض، فلا يعلم الخفايا والبواطن، والأسرار إلا هو، ومن ذلك، علم الساعة، فلا يدري أحد متى تأتي، إلا الله، فإذا جاءت وتجلت، لم تكن * (إلا كلمح البصر أو هو أقرب) * من ذلك فيقوم الناس من قبورهم إلى يوم بعثهم ونشورهم، وتفوت الفرص لمن يريد الإمهال، * (إن الله على كل شيء قدير) * فلا يستغرب على قدرته الشاملة، إحياؤه للموتى. * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) * أي: هو المنفرد بهذه النعم حيث * (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) * ولا تقدورن على شيء ثم إنه * (جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) *، خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها، وفضلها، ولأنها مفتاح لكل علم، فلا يصل للعبد علم، إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة، وإلا فسائر الأعضاء، والقوى الظاهرة والباطنة، هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم، شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح، في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك، كانت حجة عليه، وقابل النعمة بأقبح المعاملة. * (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * أي: لأنهم المنتفعون بآيات الله، المتفكرون فيما جعلت آية عليه، وأما غيرهم، فإن نظرهم نظر لهو، وغفلة. ووجه الآية فيها، أن الله تعالى خلقها بخلقة تصلح للطيران، ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف ثم أودع فيها من قوة الحركة وما قدرت به على ذلك، وذلك دليل على حكمته، وعلمه الواسع، وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره، تبارك الله رب العالمين. يذكر تعالى عباده بنعمه، ويستدعي منهم شكرها، والاعتراف بها فقال: * (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارهآ أثاثا ومتاعا إلى حين * والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون * فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين * يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) * * (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) * في الدور والقصور ونحوها، تكنكم من الحر والبرد، وتستركم، أنتم وأولادكم، وأمتعتكم، وتتخذون فيه الغرف والبيوت، التي هي لأنواع، منافعكم ومصالحكم، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم، وغير ذلك من الفوائد المشاهدة. * (وجعل لكم من جلود
(٤٤٥)