) * أي: * (إن لكم في الأنعام) * التي سخرها الله لمنافعكم * (لعبرة) * تستدلون بها على كمال قدرة الله، وسعة إحسانه، حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم، فأخرج من بين ذلك، لبنا خالصا من الكدر سائغا للشاربين، للذته، ولأنه يسقي ويغذي، فهل هذه إلا قدرة، إلهية، لا أمور طبيعية. فأي شيء في الطبيعة، يقلب العلف الذي تأكله البهيمة، والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح، لبنا خالصا سائغا للشاربين؟ وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والأعناب، منافع للعباد، ومصالح، من أنواع الرزق الحسن، الذي يأكله العباد، طريا ونضيجا، وحاضرا، ومدخرا، وطعاما وشرابا يتخذ من عصيرها ونبيذها، ومن السكر الذي كان حلالا قبل ذلك، ثم إن الله نسخ حل المسكرات، وأعاض عنها بالطيبات من الأنبذة، وأنوع الأشربة اللذيذة المباحة ولهذا قال من قال: (إن المراد بالسكر هنا: الطعام والشراب اللذيذ) وهو أولى من القول الأول. * (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) * عن الله كمال اقتداره، حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب، فصارت ثمرة لذيذة وفاكهة طيبة، وعلى شمول رحمته، حيث عم بها عباده ويسرها لهم، وأنه الإله المعبود وحده، حيث إنه المنفرد بذلك. * (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) * في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها، التي أصلحتها، بتعليم الله لها وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان، بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعى سواه. * (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير) * يخبر تعالى، أنه الذي خلق العباد، ونقلهم في الخلقية، طورا بعد طور، ثم بعد أن يستكملوا آجالهم، يتوفاهم، ومنهم من يعمره حتى * (يرد إلى أرذل العمر) * أي: أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة، حتى العقل، الذي هو جوهر الإنسان، يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه، ويصير عقله كعقل الطفل ولهذا قال: * (لكيلا يعلم بعد علم شيئا، إن الله عليم قدير) * أي: قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء، ومن ذلك، ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة، خلقا بعد خلق، كما قال تعالى: * (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) *. * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون) * هذا من أدلة توحيده، وقبح الشرك به، يقول تعالى: كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون، إلا أنه تعالى * (فضل بعضكم على بعض في الرزق) * فجعل منكم أحرارا، لهم مال وثروة، ومنكم أرقاء لهم، لا يملكون شيئا من الدنيا، فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا * (برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء) * ويرون هذا من الأمور الممتنعة، فكذلك من أشركتم بها مع الله، فإنها عبيد، ليس لها من الملك، مثقال ذرة، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟ هل هذا، إلا من أعظم الظلم، والجحود لنعم الله؟!! ولهذا قال: * (أفبنعمة الله يجحدون) * فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها، لما أشركوا به أحدا. * (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) * يخبر تعالى، عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا، ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم، أولادا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات، من المآكل، والمشارب، والنعم الظاهرة، التي لا يقدر العباد أن يحصوها. * (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) * أي: أيؤمنون بالباطل، الذي لم يكن شيئا مذكورا، ثم أوجده الله، وليس له من وجوده سوى العدم، فلا تخلق، ولا ترزق، ولا تدبر من الأمور شيئا، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله، فإنها باطلة، فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟ * (وبنعمة الله هم يكفرون) * يجحدونها، ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به، هل هذا إلا من أظلم الظلم، وأفجر الفجور، وأسفه السفه؟!! * (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون * فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون * ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب الله مثلا رجلين أحدهمآ أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه
(٤٤٤)