تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٤٢
صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه إذا أخذ العاصي، أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه، فإنه رؤوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة، وبره العميم، وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه، والعمل بما يحبه ويرضاه. * (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمآئل سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دآبة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) * يقول تعالى: * (أولم يروا) * أي: الشاكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله، * (إلى ما خلق الله من شيء) * أي: إلى جميع مخلوقاته، وكيف تتفيأ أظلتها، * (عن اليمين والشمائل سجدا لله) * أي: كلها ساجدة لربها، خاضعة لعظمته وجلاله، * (وهم داخرون) * أي: ذليلون تحت التسخير والتدبير، والقهر، ما منهم أحد، إلا وناصيته بيد الله، وتدبيره عنده. * (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة) * من الحيوانات الناطقة والصامتة، * (والملائكة) * الكرام، خصهم بعد العموم، لفضلهم، وشرفهم، وكثرة عبادتهم، ولهذا قال: * (وهم لا يستكبرون) * أي: عن عبادته، على كثرتهم، وعظمة أخلاقهم وقوتهم، كما قال تعالى: * (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) *. * (يخافون ربهم من فوقهم) * لما مدحهم بكثرة الطاعة، والخضوع لله، مدحهم بالخوف من الله الذي هو فوقهم بالذات والقهر، وكمال الأوصاف، فهم أذلاء تحت قهره. * (ويفعلون ما يؤمرون) * أي: مهما أمرهم الله تعالى، امتثلوا لأمره، طوعا واختيارا، وسجود المخلوقات لله تعالى قسمان: سجود اضطرار، ودلالة على ما له من صفات الكمال، وهذا عام لكل مخلوق، من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، وحيوان ناطق وغيره، وسجود اختيار، يختص بأوليائه وعباده المؤمنين، الملائكة، وغيرهم من المخلوقات. * (وقال الله لا تتخذوا إل هين اثنين إنما هو إل ه واحد فإياي فارهبون * وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون * وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) * يأمر تعالى، بعبادته وحده لا شريك له، ويستدل على ذلك بانفراده بالنعم فقال: * (لا تتخذوا إلهين اثنين) * أي: تجعلون له شريكا في إلهيته، وهو * (إنما هو إله واحد) * متوحد في الأوصاف العظيمة، متفرد بالأفعال كلها. فكما أنه الواحد في ذاته، وأسمائه، ونعوته، وأفعاله، فلتوحدوه في عبادته، ولهذا قال: * (فإياي فارهبون) * أي: خافوني، وامتثلوا أمري، واجتنبوا نهيي، من غير أن تشركوا بي شيئا من المخلوقات، فإنها كلها لله تعالى مملوكة. * (وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا) * أي: الدين، والعبادة، والذل في جميع الأوقات، لله وحده، على الخلق أن يخلصوه لله، وينصبغوا بعبوديته. * (أفغير الله تتقون) * من أهل الأرض أو أهل السماوات، فإنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، والله المنفرد، بالعطاء والإحسان، * (وما بكم من نعمة) * ظاهرة وباطنة * (فمن الله) * لا أحد يشركه فيها، * (ثم إذا مسكم الضر) * من فقر، ومرض، وشدة * (فإليه تجأرون) * أي: تضجون بالدعاء والتضرع، لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس، يظلمون أنفسهم، ويحمدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة، فإذا صاروا في حال الرخاء، أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة، ولهذا قال: * (ليكفروا بما آتيناهم) * أي: أعطيناهم، حيث نجيناهم من الشدة، وخلصناهم، من المشقة، * (فتمتعوا) * في دنياكم قليلا * (فسوف تعلمون) * عاقبة كفركم. * (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم) * يخبر تعالى، عن جهل المشركين، وظلمهم، وافترائهم على الله الكذب، وأنهم يجعلون لأصنامهم، التي لا تعلم، ولا تنفع، ولا تضر نصيبا مما رزقهم الله، وأنعم به عليهم، فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة، كما قال تعالى: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»