تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٢٥
لأدركتم الفوز العظيم، * (ووعدتكم) * الخير * (فأخلفتكم) * أي: لم يحصل، ولن يحصل لكم ما منيتكم به، من الأماني الباطلة. * (وما كان لي عليكم من سلطان) * أي: من حجة على تأييد قولي، * (إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) * أي: هذه نهاية ما عندي، أني دعوتكم إلى مرادي، وزينته لكم، فاستجبتم لي، اتباعا لأهوائكم وشهواتكم، فإذا كان الحال بهذه الصورة * (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * فأنتم السبب، وعليكم المدار في موجب العقاب، * (ما أنا بمصرخكم) * أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها * (وما أنتم بمصرخي) * كل له قسط من العذاب. * (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) * أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله، فلست شريكا لله، ولا تجب طاعتي، * (إن الظالمين) * لأنفسهم بطاعة الشيطان * (لهم عذاب أليم) * خالدين فيه أبدا. وهذا من لطف الله بعباده، أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله، التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه، وأنه يقصد أن يدخله النيران، وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده، أنه يتبرأ منهم هذه البراءة، ويكفر بشركهم * (ولا ينبئك مثل خبير) *. واعلم أن الله ذكر في هذه الآية، أن الشيطان ليس له سلطان، وقال في آية أخرى * (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) *، فالسلطان الذي نفاه عنه، هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلا، على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك، أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات، ما به يتجرؤون على المعاصي. وأما السلطان، الذي أثبته، فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزهم إلى المعاصي أزا، وهم الذين سلطوه على أنفسهم، بموالاته، والالتحاق بحزبه، ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. * (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) * ولما ذكر عقاب الظالمين، ذكر ثواب الطائعين فقال: * (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي: الذين قاموا بالدين، قولا، وعملا، واعتقادا، * (جنات تجري من تحتها الأنهار) * فيها من اللذات والشهوات، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، * (خالدين فيها بإذن ربهم) * أي: لا بحولهم وقوتهم بل بحول الله وقوته * (تحيتهم فيها سلام) * أي: يحيي بعضهم بعضا بالسلام، والتحية، والكلام الطيب. يقول تعالى: * (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة) * وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وفروعها، * (كشجرة طيبة) * وهي النخلة * (أصلها ثابت) * في الأرض * (وفرعها) * منتشر * (في السماء) * وهي كثيرة النفع دائما. * (تؤتي أكلها) * أي ثمرتها * (كل حين بإذن ربها) *، فكذلك شجرة الإيمان، أصلها ثابت في قلب المؤمن، علما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيب، والعلم الصالح، والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة، في السماء دائما، يصعد إلى الله منه، من الأعمال والأقوال، التي تخرجها شجرة الإيمان، ما ينتفع به المؤمن، وينتفع غيره، * (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) * ما أمرهم به ونهاهم عنه، فإن في ضرب الأمثال تقريبا للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة. ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان، ويتضح غاية الوضوح، وهذا من رحمته، وحسن تعليمه. فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه، فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها، في قلب المؤمن. ثم ذكر ضدها وهي: كلمة الكفر، وفرعها فقال: * (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة) * المأكل والمطعم، وهي: شجرة الحنظل ونحوها، * (اجتثت) * هذه الشجرة * (من فوق الأرض ما لها من قرار) * أي: ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة، تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة، فهي ثمرة خبيثة، كذلك كلمة الكفر والمعاصي، ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تثمر إلا كل قول خبيث، وعمل خبيث، يؤذي صاحبه، ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح، ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره. * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) * يخبر تعالى: أنه يثبت عباده المؤمنين أي: الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا، عند ورود الشبهات، بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة، على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها.
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»