بأيام الله) * أي: بنعمه عليهم، وإحسانه إليهم وبأيامه في الأمم المكذبين، ووقائعه بالكافرين، ليشكروا نعمه، وليحذروا عقابه، * (إن في ذلك) * أي: في أيام الله على العباد * (لآيات لكل صبار شكور) * أي: صبار في الضراء والعسر والضيق، شكور على السراء والنعمة. فإنه يستدل بأيامه، على كمال قدرته، وعميم إحسانه، وتمام عدله وحكمته، ولهذا امتثل موسى عليه السلام أمر ربه، فذكرهم نعم الله فقال: * (اذكروا نعمة الله عليكم) * أي: بقلوبكم وألسنتكم. * (إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم) * أي: يولونكم * (سوء العذاب) * أي: أشده، وفسر ذلك بقوله: * (ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) * أي: يبقونهن فلا يقتلونهن، * (وفي ذلكم) * لإنجاء * (بلاء من ربكم عظيم) * أي: نعمة عظيمة، أو في ذلكم العذاب، الذي ابتليتم به من فرعون وملأه ابتلاء من الله عظيم لكم، لينظر هل تعتبرون أم لا؟ وقال لهم حاثا على شكر نعم الله: * (وإذ تأذن ربكم) * أي: أعلم ووعد، * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * من نعمي * (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) * ومن ذلك، أن يزيل عنهم النعمة، التي أنعم بها عليهم. والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله، والثناء على الله بها، وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك. * (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا) * فلن تضروا الله شيئا، * (فإن الله لغني حميد) * فالطاعات لا تزيد في ملكه، والمعاصي لا تنقص، وهو كامل الغنى، حميد في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، ليس له من الصفات إلا كل صفة حمد وكمال، ولا من الأسماء إلا كل اسم حسن، ولا من الأفعال إلا كل فعل جميل. * (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جآءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننآ إليه مريب * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مس م ى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين * قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ول كن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون * وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) * يقول تعالى مخوفا عباده ما أحله بالأمم المكذبة، حين جاءتهم الرسل، فكذبوهم، فعاقبهم بالعقاب العاجل، الذي رآه الناس وسمعوه فقال: * (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود) * وقد ذكر الله قصصهم في كتابه، وبسطها، * (والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) * من كثرتهم، وكون أخبارهم اندرست. فهؤلاء كلهم * (جاءتهم رسلهم بالبينات) * أي: بالأدلة الدالة على صدق ما جاؤوا به، فلم يرسل الله رسولا، إلا أتاه من الآيات، ما يؤمن على مثله الشر، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها، بل استكبروا عنها، * (فردوا أيديهم في أفواههم) * أي: لم يؤمنوا بما جاؤوا به، ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله: * (جعلوا أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) *. * (وقالوا) * صريحا لرسلهم: * (إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * أي: موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا * (قالت) * (لهم) * (رسلهم أفي الله شك) * أي: فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمن شك في الله * (فاطر السماوات والأرض) * الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات، حتى الأمور المحسوسة، ولهذا خاطبتهم الرسل، خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه * (يدعوكم) * إلى منافعكم ومصالحكم * (ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) * أي: ليثيبكم على الاستجابة لدعوته، بالثواب العاجل والآجل. فلم يدعوكم لينتفع بعبادتكم، بل النفع عائد إليكم. فردوا على رسلهم، رد السفهاء الجاهلين * (وقالوا) * (لهم) * (إن أنتم إلا بشر مثلنا) * أي: فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة، * (تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا) * فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم، لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وأنتم بشر مثلنا؟ * (فائتونا بسلطان مبين) * أي: بحجة وبينة ظاهرة، ومرادهم بينة يقترحونها هم، وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات. * (قالت لهم رسلهم) * مجيبين لاقتراحهم واعتراضهم: * (إن نحن إلا بشر مثلكم) * أي: صحيح وحقيقة، إنا بشر مثلكم، * (ولكن) * ليس في ذلك، ما يدفع ما جئنا به من الحق، فإن * (الله يمن على من يشاء من عباده) * فإذا من الله علينا بوحيه ورسالته، فذلك فضله وإحسانه، وليس لأحد أن يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله. فانظروا ما جئناكم به، فإن كان حقا، فاقبلوه، وإن كان غير ذلك، فردوه
(٤٢٢)