لأنبيائهم، ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان، ولهذا قال: * (لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين) * أي: عادة الله فيهم، بإهلاك من لم يؤمن بآيات الله. * (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) * أي: ولو جاءتهم كل آية عظيمة، لم يؤمنوا وكابروا، * (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء) * فصاروا يعرجون فيه، ويشاهدونه، عيانا بأنفسهم، لقالوا من ظلمهم وعنادهم، منكرين لهذه الآية: * (وإنما سكرت أبصارنا) * أي: أصابها سكر وغشاوة، حتى رأينا ما لم نر، * (بل نحن قوم مسحورون) * أي: ليس هذا بحقيقة، بل هذا سحر، وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا الإنكار، فإنهم لا مطمع فيهم ولا رجاء، ثم ذكر الآيات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال: * (ولقد جعلنا في السماء بروجا) * إلى * (برازقين) *. * (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون * وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) * يقول تعالى مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه: * (ولقد جعلنا في السماء بروجا) * أي: نجوما كالأبراج، والأعلام العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، * (وزيناها للناظرين) *، فإنه لولا النجوم، لما كان للسماء هذا المنظر البهي، والهيئة العجيبة، وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها، والنظر في معانيها، والاستدلال بها، على باريها. * (وحفظناها من كل شيطان رجيم) * إذا استرق السمع، أتبعته الشهب الثواقب، فبقيت السماء، ظاهرها، مجملا بالنجوم النيرات، وباطنها، محروسا ممنوعا، من الآفات. * (إلا من استرق السمع) * أي: في بعض الأوقات، قد يسترق بعض الشياطين السمع، بخفية واختلاس، * (فأتبعه شهاب مبين) * أي: بين منير، يقتله، أو يخبله. فربما أدركه الشهاب، قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه، فينقطع خبر السماء عن الأرض، وربما ألقاها إلى وليه، قبل أن يدركه الشهاب، فيضمها ويكذب معها مائة كذبة، ويستدل بتلك الكلمة التي، سمعت من السماء. * (والأرض مددناها) * أي: وسعناها سعة، يتمكن الآدميون والحيوانات كلها، من الامتداد بأرجائها، والتناول من أرزاقها، والسكون في نواحيها. * (وألقينا فيها رواسي) * أي: جبالا عظاما، تحفظ الأرض بإذن الله، أن تميد، وتثبتها أن تزول، * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * أي: نافع متقوم، يضطر إليه العباد والبلاد، ما بين نخيل، وأعناب، وأصناف الأشجار، وأنواع النبات، والمعادن. * (وجعلنا لكم فيها معايش) * من الحرث، ومن الماشية، ومن أنواع المكاسب والحرف. * (ومن لستم له برازقين) * أي: أنعمنا عليكم بعبيد وإماء، وأنعام، لنفعكم، ومصالحكم، وليس عليكم رزقها، بل خولكم الله إياها، وتكفل بأرزاقها. * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم * وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين) * أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار، لا يملكها أحد إلا الله، فخزائنها بيده، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة، * (وما ننزله) * أي: المقدر من كل شيء، من مطر وغيره، * (إلا بقدر معلوم) * فلا يزيد على ما قدره الله، ولا ينقص منه. أي: وسخرنا الرياح، رياح الرحمة، تلقح السحاب، كما يلقح الذكر الأنثى، فينشأ عن ذلك، الماء، بإذن الله، فيسقيه الله العباد، ومواشيهم، وأرضهم، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم، ما هو مقتضى قدرته ورحمته، * (وما أنتم له بخازنين) * أي: لا قدرة لكم على خزنه وادخاره، ولكن الله يخزنه لكم، ويسلكه ينابيع في الأرض، رحمة بكم، وإحسانا إليكم. * (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) * أي: هو وحده، لا شريك له، الذي يحيي الخلق من العدم، بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ويميتهم لآجالهم، التي قدرها * (ونحن الوارثون) * كقوله: * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) *، وليس ذلك بعزيز، ولا ممتنع على الله، فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق والمستأخرين منهم، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، وما تفرق من أجزائهم، وهو الذي، قدرته لا يعجزها معجز، فيعيد عباده خلقا جديدا، ويحشرهم إليه. * (إنه حكيم عليم) * يضع الأشياء
(٤٣٠)