تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٢١
استشهادهم، لعدم خبرتهم ومعرفتهم. والله أعلم. تم تفسير سورة الرعد، والحمد لله رب العالمين. سورة إبراهيم * (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد * الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أول ئك في ضلال بعيد) * يخبر تعالى، أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة، وأنواع المعاصي، إلى نور العلم والإيمان، والأخلاق الحسنة، وقوله: * (بإذن ربهم) * أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله، إلا بإرادة من الله ومعونة، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم. ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب، فقال: * (إلى صراط العزيز الحميد) * أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به، وفي ذكر * (العزيز الحميد) * بعد ذكر الصراط الموصل إليه، إشارة إلى أن من سلكه، فهو عزيز بعزة الله، قوي، ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة. وليدل ذلك على أن صراط الله، من أكبر الأدلة على ما لله، من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأن الذي نصبه لعباده، عزيز السلطان، حميد، في أقواله، وأفعاله، وأحكامه، وأنه مألوه معبود بالعبادات، التي هي منازل الصراط المستقيم، وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض، خلقا ورزقا، وتدبيرا، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية، لأنهم ملكه، ولا يليق به أن يتركهم سدى، فلما بين الدليل والبرهان، توعد من لم ينقد لذلك فقال: * (وويل للكافرين من عذاب شديد) * لا يقدر قدره، ولا يوصف أمره ثم وصفهم بأنهم. * (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة) * فرضوا بها، واطمأنوا، وغفلوا عن الدار الآخرة. * (ويصدون) * الناس * (عن سبيل الله) * التي نصبها لعباده، وبينها في كتبه، وعلى ألسنة رسله، فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة، * (ويبغونها) * أي: سبيل الله * (عوجا) * أي: يحرصون على تهجينها وتقبيحها، للتنفير منها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. * (أولئك) * الذين ذكر وصفهم * (في ضلال بعيد) * لأنهم ضلوا، وأضلوا وشاقوا الله ورسوله، وحاربوهم. فأي ضلال أبعد من هذا؟، وأما أهل الإيمان، فعكس هؤلاء، يؤمنون بالله وآياته، ويستحبون الآخرة على الدنيا، ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها، مهما أمكنهم، ويبغون استقامتها. * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) * وهذا من لطفه بعباده، أنه ما أرسل رسولا، * (إلا بلسان قومه ليبين لهم) * ما يحتاجون إليه، ويتمكنون من تعلم ما أتى به، بخلاف ما لو أتى على غير لسانهم، فإنهم يحتاجون إلى تلك اللغة، التي يتكلم بها، ثم يفهمون عنه، فإذا بين الرسول ما أمروا به، ونهوا عنه، وقامت عليهم حجة الله * (فيضل الله من يشاء) *، ممن لم ينقد للهدى، ويهدي من يشاء، ممن اختصه برحمته. * (وهو العزيز الحكيم) *، الذي من عزته أنه انفرد بالهداية والإضلال، وتقليب القلوب إلى ما شاء ومن حكمته أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله، إلا بالمحل اللائق به. ويستدل بهذه الآية الكريمة، على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله، أمور مطلوبة، محبوبة لله، لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها. إلا إذا كان الناس في حالة، لا يحتاجون إليها، وذلك إذا تمرنوا على العربية، ونشأ عليها صغيرهم، وصارت طبيعة لهم، فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله، ابتداء، كما تلقى الصحابة رضي الله عنهم. * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) * يخبر تعالى: أنه أرسل موسى بآياته العظيمة، الدالة على صدق ما جاء به وصحته، وأمره بما أمر الله به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم، * (أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور) * أي: ظلمات الجهل والكفر وفروعه، إلى نور العلم والإيمان وتوابعه، * (وذكرهم
(٤٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 ... » »»