أن يقع في علمه نقص، أو خلل، ولهذا قال: * (وعنده أم الكتاب) * أي: اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع وشعب. فالتغيير والتبديل، يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة، التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا، ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر، والصلة، والإحسان، من أسباب طول العمر، وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي، سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب، سببا للسلامة. وجعل التعرض لذلك، سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور، بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها، لا يخالف ما قد علمه وكتبه، في اللوح المحفوظ. * (وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب * أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) * يقول تعالى، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تعجل عليهم، بإصابة ما يوعدون من العذاب، فهم إن استمروا على طغيانهم وكفرهم، فلا بد أن يصيبهم ما وعدوا به، إما * (نرينك) * إياه في الدنيا، فتقر بذلك عينك. بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد فلا يتعقبها أحد، ولا سبيل إلى القدح فيها. * (أو نتوفينك) * قبل إصابتهم، فليس ذلك شغلا لك * (فإنما عليك البلاغ) * والتبيين للخلق. * (وعلينا الحساب) * فنحاسب الخلق على ما قاموا به، بما عليهم، أو ضيعوه، ونثيبهم أو نعاقبهم. ثم قال متوعدا للمكذبين: * (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * قيل بإهلاك المكذبين، واستئصال الظالمين، وقيل: بفتح بلدان المشركين، ونقصهم في أموالهم وأبدانهم، وقيل غير ذلك من الأقوال. والظاهر والله أعلم أن المراد بذلك، أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها، ويحل القوارع بأطرافها، تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص، ويوقع الله بهم من القوارع، ما لا يرده أحد، ولهذا قال: * (والله يحكم لا معقب لحكمه) * ويدخل في هذا، حكمه الشرعي، والقدري، والجزائي. فهذه الأحكام، التي يحكم الله فيها، توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد، فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها، بخلاف حكم غيره، فإنه قد يوافق الصواب، وقد لا يوافقه. * (وهو سريع الحساب) * أي: فلا يستعجلوا بالعذاب، فإن كل ما هو آت، فهو قريب. * (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار * ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) * يقول تعالى: * (وقد مكر الذين من قبلهم) * برسلهم، وبالحق الذي جاءت به الرسل، فلم يغن عنهم مكرهم، ولم يصنعوا شيئا، فإنهم يحاربون الله ويبارزونه، * (فلله المكر جميعا) * أي: لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه، وتحت قضائه وقدره. فإذا كانوا يمكرون بدينه، فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم، فإن الله * (يعلم ما تكسب كل نفس) * أي: همومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة. والمكر لا بد أن يكون من كسبها، فلا يخفى على الله مكرهم، فيمتنع أن يمكروا مكرا يضر الحق وأهله، ويفيدهم شيئا، * (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) * أي: ألهم أو لرسله؟ ومن المعلوم أن العاقبة للمتقين، لا للكفر وأهله. * (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) * أي: يكذبونك، ويكذبون ما أرسلت به، * (قل) * لهم إن طلبوا على ذلك شهيدا: * (كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * وشهادته بقوله وفعله وإقراره. أما قوله، فيما أوحاه الله إلى أصدق خلقه، مما يثبت به رسالته. وأما فعله، فلأن الله تعالى أيد رسوله، ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه، وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد. وأما إقراره، فإنه أخبر الرسول عنه، أنه رسول، وأنه أمر الناس باتباعه. فمن اتبعه، فله رضوان الله وكرامته، ومن لم يتبعه، فله النار والسخط، وحل له ماله ودمه، والله يقره على ذلك، فلو تقول عليه بعض الأقاويل، لعاجله بالعقوبة. * (ومن عنده علم الكتاب) * وهذا شامل لكل علماء أهل الكتابين، فإنهم يشهد منهم للرسول، من آمن، واتبع الحق، فصرح بتلك الشهادة التي عليه. ومن كتم ذلك، فإخبار الله عنه، أن عنده شهادة، أبلغ من خبره، ولو لم يكن عنده شهادة، لرد استشهاده بالبرهان، فسكوته يدل على أن عنده شهادة مكتومة. وإنما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب، لأنهم أهل هذا الشأن، وكل أمر، إنما يستشهد فيه أهله، ومن هم أعلم به من غيرهم، بخلاف من هو أجنبي عنه، كالأميين، من مشركي العرب وغيرهم، فلا فائدة في
(٤٢٠)