تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٢٤
لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، * (وخاب كل جبار عنيد) * أي: خسر في الدنيا والآخرة، من تجبر على الله وعلى الحق، وعلى عباد الله، واستكبر في الأرض، وعاند الرسل، وشاقهم. * (من ورائه جهنم) * أي: جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد، فلا بد له من ورودها، فيذوق حينئذ العذاب الشديد، * (ويسقى من ماء صديد) * في لونه، وطعمه، ورائحته الخبيثة، وهو في غاية الحرارة. * (يتجرعه) * من العطش الشديد * (ولا يكاد يسيغه) * فإنه إذا قرب إلى وجهه، شواه، وإذا وصل إلى بطنه، قطع ما أتى عليه من الأمعاء، * (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) * أي: يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب، وكل نوع منه، من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى: * (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها) *. * (ومن ورائه) * أي: الجبار العنيد * (عذاب غليظ) * أي: قوي شديد، لا يعلم وصفه وشدته، إلا الله تعالى. * (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد) * يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها: إما أن المراد بها، الأعمال التي عملوها لله، بأنها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد، الذي هو أدق الأشياء وأخفها، إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب، فإنه لا يبقى منه شيء، ولا يقدر منه على شيء، يذهب ويضمحل. فكذلك أعمال الكفار * (لا يقدرون مما كسبوا على شيء) * ولا على مثقال ذرة منه لأنه مبني على الكفر والتكذيب. * (ذلك هو الضلال البعيد) * حيث بطل سعيهم، واضمحل عملهم. وإما أن المراد بذلك، أعمال الكفار التي عملوها، ليكيدوا بها الحق، فإنهم يسعون ويكدحون في ذلك، ومكرهم عائد عليهم، ولن يضروا الله ورسله وجنده وما معهم، من الحق شيئا. * (ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز * وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينآ أجزعنآ أم صبرنا ما لنا من محيص) * ينبه تعالى عباده بأن * (الله خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: ليعبده الخلق ويعرفوه، ويأمرهم وينهاهم، وليستدلوا بهما، وما فيهما، على ما له من صفات الكمال، وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض على عظمهما وسعتهما قادر على أن يعيدهم خلقا جديدا، ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم، وأن قدرته ومشيئته، لا تقصر عن ذلك، ولهذا قال: * (وإن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) *. يحتمل أن المعنى: إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم، يكونون أطوع لله منكم، ويحتمل أن المراد: إن يشأ يفنيكم، ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا، ويدل على هذا الاحتمال، ما ذكره بعده، من أحوال يوم القيامة. * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي: بممتنع بل هو سهل عليه جدا، * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) *. * (وبرزوا) * أي: الخلائق * (لله جميعا) * حين ينفخ في الصور، فيخرجون من الأجداث إلى ربهم، فيقفون في أرض مستوية، قاع صفصف، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويبرزون له، لا يخفى عليه منهم خافية، فإذا برزوا، صاروا يتحاجون، وكل يدفع عن نفسه، ويدافع ما يقدر عليه ولكن أنى لهم ذلك؟ * (فقال الضعفاء) * أي: التابعون والمقلدون * (للذين استكبروا) * وهم: المتبوعون، الذين هم قادة في الضلال: * (إنا كنا لكم تبعا) * أي: في الدنيا، أمرتمونا بالضلال، وزينتموه لنا، فأغويتمونا، * (فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء) * أي: ولو مثقال ذرة، * (قالوا) * أي: المتبوعون والرؤوساء * (أغويناكم كما غوينا) * و * (لو هدانا الله لهديناكم) * فلا يغني أحد أحدا، * (سواء علينا أجزعنا) * من العذاب * (أم صبرنا) * عليه، * (ما لنا من محيص) * أي: لا ملجأ نلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله. * (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) * أي: * (وقال الشيطان) * الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم، مخاطبا لأهل النار، ومتبرئا منهم * (لما قضي الأمر) * ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: * (إن الله وعدكم وعد الحق) * على ألسنة رسله، فلم تطيعوه، فلو أطعتموه،
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»