تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤١٤
ليطهرهم من المعايب: * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) *. * (وإن ربك لشديد العقاب) * على من لم يزل مصرا على الذنوب، قد أبى التوبة والاستغفار والالتجاء إلى العزيز الغفار، فليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم، فإن أخذه أليم شديد. * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * أي: ويقترح الكفار عليك من الآيات، التي يعينون ويقولون: * (لولا أنزل عليه آية من ربه) * ويجعلون هذا القول منهم. عذرا لهم في عدم الإجابة إلى الرسول، والحال، أنه منذر، ليس له من الأمر شيء، والله هو الذي ينزل الآيات. وقد أيده بالأدلة البينات، التي لا تخفى على أولي الألباب، وبها يهتدي من قصده الحق، وأما الكافر، الذي من ظلمه وجهله يقترح على الله الآيات، فهذا اقتراح منه، باطل وكذب وافتراء. فإنه لو جاءته أي آية كانت، لم يؤمن ولم ينقد، لأنه لم يمتنع من الإيمان، لعدم ما يدله على صحته، وإنما ذلك، لهوى نفسه، واتباع شهوته، * (ولكل قوم هاد) * أي: داع يدعوهم إلى الهدى، من الرسل وأتباعهم، ومعهم من الأدلة والبراهين، ما يدل على صحة ما معهم من الهدى. * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال * سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) * يخبر تعالى، بعموم علمه، وسعة اطلاعه، وإحاطته بكل شيء فقال: * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * من بني آدم وغيرهم، * (وما تغيض الأرحام) * أي: تنقص مما فيها، إما أن يهلك الحمل، أو يتضاءل أو يضمحل، * (وما تزداد) * الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها، * (وكل شيء عنده بمقدار) * لا يتقدم عليه ولا يتأخر، ولا يزيد، ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه. فإنه * (عالم الغيب والشهادة الكبير) * في ذاته، وأسمائه، وصفاته * (المتعال) * على جميع خلقه، بذاته وقدرته، وقهره. * (سواء منكم) * في علمه وسمعه، وبصره. * (من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل) * أي: مستقر بمكان خفي فيه، * (وسارب بالنهار) * أي: داخل سربه في النهار، والسرب هو: ما يستخفي فيه الإنسان، إما جوف بيته، أو غار، أو مغارة، أو نحو ذلك. * (له) * أي: للإنسان * (معقبات) * من الملائكة، يتعاقبون في الليل والنهار. * (من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) * أي: يحفظون بدنه وروحه، من كل من يريده بسوء، ويحفظون عليه أعماله، وهم ملازمون له دائما. فكما أن علم الله محيط به، فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد، بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم، ولا ينسى منها شيء، * (إن الله لا يغير ما بقوم) * من النعمة والإحسان، ورغد العيش * (حتى يغيروا ما بأنفسهم) * بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها عند ذلك. وكذلك إذا غير العباد، ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم، ما كانوا فيه من الشقاء، إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة، * (وإذا أراد الله بقوم سوءا) * أي: عذابا وشدة، وأمرا يكرهونه، فإن إرادته، لا بد أن تنفذ فيهم. * (ف) * إنه * (لا مرد له) * ولا أحد يمنعهم منه، * (وما لهم من دونه من وال) * يتولى أمورهم، فيجلب لهم المحبوب، ويدفع عنهم المكروه، فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله، خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين. * (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) * يقول تعالى: * (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) * أي: يخاف منه الصواعق والهدم، وأنواع الضرر، على بعض الثمار ونحوها، ويطمع في خيره ونفعه، * (وينشئ السحاب الثقال) * بالمطر الغزير، الذي به نفع العباد والبلاد. * (ويسبح الرعد بحمده) * وهو الصوت، الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد، فهو خاضع لربه، مسبح بحمده، * (و) * تسبح * (الملائكة من خيفته) * أي: خشعا لربهم، خائفين من سطوته، * (ويرسل الصواعق) * وهي هذه النار، التي تخرج من السحاب،
(٤١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»