وفي الآخرة عند الموت، بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين، للجواب الصحيح، إذا قيل للميت (من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) هداهم للجواب الصحيح، بأن يقول المؤمن: (الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي). * (ويضل الله الظالمين) * عن الصواب في الدنيا والآخرة، وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم، وفي هذه الآية، دلالة على فتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الفتنة وصفتها، ونعيم القبر وعذابه. * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) * يقول تعالى مبينا حال المكذبين لرسوله، من كفار قريش، وما آل إليه أمرهم: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) * ونعمة الله هي: إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، إليهم يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة، فبدلوا هذه النعمة، بردها، والكفر بها والصد عنها، بأنفسهم. * (و) * صدهم غيرهم حتى * (أحلوا قومهم دار البوار) * وهي: النار، حيث تسببوا لإضلالهم، فصاروا وبالا على قومهم، من حيث يظن نفعهم، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم (بدر) ليحاربوا الله ورسوله، فجرى عليهم ما جرى، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم، في تلك الوقعة. * (جهنم يصلونها) * أي: يحيط بهم حرها، من جميع جوانبهم. * (وبئس القرار) *. * (وجعلوا لله أندادا) * أي: نظراء وشركاء * (ليضلوا عن سبيله) * أي: ليضلوا العباد عن سبيل الله، بسبب ما جعلوا لله من الأنداد، ودعوهم إلى عبادتها، * (قل) * لهم متوعدا: * (تمتعوا) * بكفركم وضلالكم قليلا، فليس ذلك بنافعكم، * (فإن مصيركم إلى النار) * أي: مآلكم ومأواكم فيها، وبئس المصير. * (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) * أي: * (قل لعبادي الذين آمنوا) * آمرا لهم بما فيه غاية صلاحهم، أن ينتهزوا الفرصة، قبل أن لا يمكنهم ذلك: * (يقيموا الصلاة) * ظاهرا وباطنا * (وينفقوا مما رزقناهم) * أي: من النعم التي أنعمنا بها عليهم، قليلا أو كثيرا * (سرا وعلانية) *، وهذا يشمل النفقة الواجبة، كالزكاة، ونفقة من تجب عليه نفقته، والمستحبة، كالصدقات ونحوها. * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) * أي: لا ينفع فيه شيء، ولا سبيل إلى استدراك ما فات، لا بمعاوضة بيع وشراء، ولا بهبة خليل وصديق، فكل امرئ له شأن يغنيه، فليقدم أعماله، ويحاسب نفسه، قبل الحساب الأكبر. * (الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) * يخبر تعالى: أنه وحده * (الذي خلق السماوات والأرض) * على اتساعهما وعظمهما، * (وأنزل من السماء ماء) * وهو: المطر الذي ينزله الله من السحاب، * (فأخرج به) * أي: بذلك الماء * (من الثمرات) * المختلفة الأنواع. * (رزقا لكم) * ورزقا لأنعامكم. * (وسخر لكم الفلك) * أي: السفن والمراكب، * (لتجري في البحر بأمره) * فهو الذي يسر لكم صنعتها، وأقدركم عليها، وحفظها على تيار الماء، لتحملكم، وتحمل تجاراتكم وأمتعتكم، إلى بلد تقصدونه. * (وسخر لكم الأنهار) * لتسقي حروثكم وأشجاركم، وتشربوا منها. * (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * لا يفتران، ولا ينيان، يسعيان لمصالحكم، من حساب أزمنتكم ومصالح أبدانكم، وحيواناتكم، وزروعكم، وثماركم، * (وسخر لكم الليل) * لتسكنوا فيه * (والنهار) * مبصرا، لتبتغوا من فضله. * (وآتاكم من كل ما سألتموه) * أي: أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم، مما تسألونه إياه. بلسان الحال، أو بلسان المقال، من أنعام، وآلات، وصناعات وغير ذلك. * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * فضلا عن قيامكم بشكرها * (إن الإنسان لظلوم كفار) * أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرىء على المعاصي، مقصر في حقوق ربه، كفار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها، إلا من هداه الله، فشكر نعمه، وعرف حق ربه، وقام به. ففي هذه الآيات، من أصناف نعم الله على العباد، شيء عظيم، مجمل، ومفصل، يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره وذكره، ويحثهم على ذلك، ويرغبهم في سؤاله ودعائه، آناء الليل والنهار، كما أن نعمته، تتكرر عليهم، في جميع الأوقات. * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل ه ذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم * ربنآ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنآ إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء * الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) * أي: * (و) * اذكر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، في هذه الحالة الجميلة، * (إذ قال رب اجعل هذا البلد) * أي: الحرم * (آمنا) *، فاستجاب الله دعاءه شرعا وقدرا، فحرمه الله في الشرع، ويسر من أسباب حرمته، قدرا، ما هو معلوم، حتى إنه لم يرده ظالم بسوء، إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم. ولما دعا له بالأمن، دعا له ولبنيه بالإيمان فقال: * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) *، أي: اجعلني وإياهم، جانبا بعيدا عن عبادتها، والإلمام بها، ثم ذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه، بكثرة من افتتن وابتلي بعبادتها، فقال:
(٤٢٦)