من واق) * يقول تعالى: * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * بالجزاء العاجل والآجل، بالعدل والقسط، وهو: الله تبارك وتعالى، كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال: * (وجعلوا لله شركاء) * وهو الله الأحد، الفرد، الصمد، الذي لا شريك له، ولا ند ولا نظير. * (قل) * لهم، إن كانوا صادقين: * (سموهم) * لنعلم حالهم، * (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) * فإنه إذا كان عالم الغيب والشهادة، وهو لا يعلم له شريكا، علم بذلك، بطلان دعوى الشريك له وأنكم بمنزلة الذي يعلم الله أن له شريكا، هو لا يعلمه، وهذا أبطل ما يكون، ولهذا قال: * (أم بظاهر من القول) * أي: غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى، أنه بظاهر أقوالكم. وأما في الحقيقة، فلا إله إلا الله، وليس أحد من الخلق، يستحق شيئا من العبادة، * (بل زين للذين كفروا مكرهم) * الذي مكروه، وهو كفرهم، وشركهم، وتكذيبهم لآيات الله، * (وصدوا عن السبيل) * أي: عن الطريق، المستقيمة، الموصلة إلى الله، وإلى دار كرامته، * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * لأنه ليس لأحد من الأمر شيء. * (لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق) * من عذاب الدنيا، لشدته ودوامه، * (وما لهم من الله من واق) * يقيهم من عذابه، فعذابه إذا وجهه إليهم، لا مانع منه. * (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دآئم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) * يقول تعالى: * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * الذين تركوا ما نهاهم الله عنه، ولم يقصروا فيما أمرهم به، أي: صفتها وحقيقتها * (تجري من تحتها الأنهار) * أنهار العسل، وأنهار الخمر، وأنهار اللبن، وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود، فتسقي تلك البساتين، والأشجار، فتحمل جميع أنواع الثمار. * (أكلها دائم وظلها) * دائم أيضا، * (تلك عقبى الذين اتقوا) * أي: مآلهم وعاقبتهم، التي إليها يصيرون، * (وعقبى الكافرين النار) * فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟ * (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) * يقول تعالى: * (والذين آتيناهم الكتاب) * أي: مننا عليهم به وبمعرفته، * (يفرحون بما أنزل إليك) * فيؤمنون به، ويصدقونه، ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض، وتصديق بعضها بعضا، وهذه حال من آمن، من أهل الكتاب، * (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) * أي: ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحق، من ينكر بعض هذا القرآن، ولا يصدقه. * (فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها) * إنما أنت يا محمد منذر، تدعو إلى الله، * (قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به) * أي: بإخلاص الدين لله وحده، * (إليه أدعو وإليه مآب) * أي: مرجعي الذي أرجع به إليه، فيجازيني بما قمت به من الدعوة، إلى دينه، والقيام بما أمرت به. * (وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) * أي: ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب، * (حكما عربيا) *، أي: محكما متقنا، بأوضح الألسنة، وأفصح اللغات، لئلا يقع فيه شك واشتباه، وليوجب أن يتبع وحده، ولا يداهن فيه، ولا يتبع ما يضاده ويناقضه، من أهواء الذين لا يعلمون. ولهذا توعد رسوله مع أنه معصوم ليمتن عليه بعصمته، وليكون لأمته أسوة في الأحكام، فقال: * (ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم) * البين الذي ينهاك عن اتباع أهوائهم، * (ما لك من الله من ولي) * يتولاك فيحصل لك الأمر المحبوب، * (ولا واق) * يقيك من الأمر المكروه. * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب * يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * أي: لست أول رسول أرسل إلى الناس، حتى يستغربوا رسالتك، * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * فلا يعيبك أعداؤك، بأن يكون لك أزواج وذرية، كما كان لإخوانك المرسلين، فلأي شيء يقدحون فيك بذلك وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك؛ إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم؟ وإن طلبوا منك آية اقترحوها، فليس لك من الأمر شيء. * (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه. * (لكل أجل كتاب) * لا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه، فليس استعجالهم بالآيات أو العذاب، موجبا لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر، مع أنه تعالى فعال لما يريد. * (يمحو الله ما يشاء) * من الأقدار * (ويثبت) * ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير، في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير، لأن ذلك محال على الله،
(٤١٩)