تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤١٨
للقلوب ولا أحلى، من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، هو ذكر العبد لربه، من تسبيح، وتهليل، وتكبير وغير ذلك. وقيل: إن المراد بذكر الله كتابه، الذي أنزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا، معنى طمأنينة القلب بذكر الله: أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه، تطمئن لها، فإنها تدل على الحق المبين، المؤيد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن القلوب، إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب الله، مضمون على أتم الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب، التي لا ترجع إليه، فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة، وتضاد الأحكام. * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله، وتدبره، وتدبر غيره من أنواع العلوم، فإنه يجد بينها وبينه فرقا عظيما. ثم قال تعالى: * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي: آمنوا بقلوبهم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وصدقوا هذا الإيمان، بالأعمال الصالحة، أعمال القلوب، كمحبة الله، وخشيته ورجائه، وأعمال الجوارح، كالصلاة ونحوها، * (طوبى لهم وحسن مآب) * أي: لهم حالة طيبة، ومرجع حسن. وذلك بما ينالون، من رضوان الله وكرامته، في الدنيا والآخرة، وأن لهم كمال الراحة، وتمام الطمأنينة، ومن جملة ذلك، شجرة طوبى، التي في الجنة، التي يسير الراكب في ظلها، مائة عام ما يقطعها، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة. * (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلهآ أمم لتتلو عليهم الذي أوحينآ إليك وهم يكفرون بالرحم ن قل هو ربي لا إل ه إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) * يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * (كذلك أرسلناك) * إلى قومك تدعوهم إلى الهدى، * (في أمة قد خلت من قبلها أمم) * أرسلنا فيهم رسلنا. فلست ببدع من الرسل، حتى يستنكروا رسالتك، ولست تقول من تلقاء نفسك، بل تتلو عليهم آيات الله، التي أوحاها الله إليك، التي تطهر القلوب، وتزكي النفوس. والحال أن قومك، يكفرون بالرحمن، فلم يقابلوا رحمته وإحسانه التي أعظمها أن أرسلناك إليهم رسولا، وأنزلنا عليك كتابا بالقبول والشكر، بل قابلوها بالإنكار والرد، فلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم، من القرون المكذبة، كيف أخذهم الله بذنوبهم، * (قل هو ربي لا إله إلا هو) * وهذا متضمن التوحيدين، توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية. فهو ربي، الذي رباني بنعمه، منذ أوجدني، وهو إلهي الذي * (عليه توكلت) * في جميع أموري * ( وإليه أنيب) * أي: أرجع في جميع عباداتي، وفي حاجاتي. * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) * يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة: * (ولو أن قرآنا) * من الكتب الإلهية * (سيرت به الجبال) * عن أماكنها * (وقطعت به الأرض) * جنانا وأنهارا * (أو كلم به الموتى) * لكان هذا القرآن. * (بل لله الأمر جميعا) * فيأتي بالآيات، التي تقتضيها حكمته، فما بال المكذبين، يقترحون من الآيات ما يقترحون؟ فهل لهم ولغيرهم من الأمر شيء؟ * (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) * فليعلموا أنه قادر على هدايتهم جميعا، ولكن لا يشاء ذلك، بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء، * (ولا يزال الذين كفروا) * على كفرهم، لا يعتبرون، ولا يتعظون. والله تعالى يوالي عليهم القوارع، التي تصيبهم في ديارهم، أو تحل قريبا منها، وهم مصرون على كفرهم * (حتى يأتي وعد الله) * الذي وعدهم به، لنزول العذاب المتصل، الذي لا يمكن رفعه، * (إن الله لا يخلف الميعاد) * وهذا تهديد وتخويف لهم من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم، وعنادهم، وظلمهم. * (ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) * يقول تعالى لرسوله مثبتا له، ومسليا * (ولقد استهزئ برسل من قبلك) * فلست أول رسول، كذب وأوذي * (فأمليت للذين كفروا) * برسلهم، أي أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين. * (ثم أخذتهم) * بأنواع العذاب * (فكيف كان عقاب) * كان عقابا شديدا، وعذابا أليما، فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك، واستهزأوا بك، بإمهالنا، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك. * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركآء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد * لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»