تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٣٣
ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينآ إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجآء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين) * أي: * (قال) * الخليل عليه السلام للملائكة: * (فما خطبكم أيها المرسلون) *، أي: ما شأنكم، ولأي شيء أرسلتم؟ * (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * أي: كثر فسادهم، وعظم شرهم، لنعذبهم ونعاقبهم، * (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين) * أي: إلا لوطا، وأهله * (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * أي: الباقين، بالعذاب، وأما لوط، فلنخرجنه وأهله، وننجيهم منها: فجعل إبراهيم، يجادل الرسل في إهلاكهم، ويراجعهم، فقيل له: * (يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) * فذهبوا عنه. * (فلما جاء آل لوط المرسلون قال) * لهم لوط * (إنكم قوم منكرون) * أي: لا أعرفكم ولا أدري من أنتم. * (قالوا: بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) * أي: جئناك بعذابهم الذي كانوا يشكون فيه، ويكذبونك حين توعدهم به، * (وأتيناك بالحق) * الذي ليس بالهزل * (وإنا لصادقون) * فيما قلنا لك. * (فأسر بأهلك بقطع من الليل) * أي: في أثنائه حين تنام العيون، ولا يدري أحد عن مسراك، * (واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد) * أي: بادروا وأسرعوا، * (وامضوا حيث تؤمرون) * كأن معهم دليلا يدلهم إلى أين يتوجهون. * (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * أي: سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم ويستأصلهم، * (وجاء أهل المدينة) * أي: المدينة التي فيها قوم لوط * (يستبشرون) * أي: يبشر بعضهم بعضا، بأضياف لوط، وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم، وذلك لقصدهم فعل الفاحشة فيهم، فجاؤوا حتى وصلوا إلى بيت لوط، فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه، ولوط يستعيذ منهم ويقول: * (إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون. واتقوا الله ولا تخزون) * أي: راقبوا الله أول ذلك، وإن كان ليس فيكم خوف من الله، فلا تفضحون في أضيافي، وتنتهكوا منهم حرمتهم بفعل الأمر الشنيع. و * (قالوا) * له جوابا عن قوله ولا تخزون فقط: * (أو لم ننهك عن العالمين) * أن تضيفهم، فنحن قد أنذرناك، ومن أنذر فقد أعذر، * (قال) * لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه: * (هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين) *، فلم يبالوا بقوله، ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: * (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) * وهذه السكرة، هي سكرة محبة الفاحشة، التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم. فلما بينت له الرسل حالهم، زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا، فنجوا، وأما أهل القرية * (فأخذتهم الصيحة مشرقين) * أي: وقت شروق الشمس، حيث كانت العقوبة عليهم أشد، * (فجعلنا عاليها سافلها) * أي: قلبنا عليهم مدينتهم، * (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) *، تتبع فيها من شذ من البلد. * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * أي: المتأملين المتفكرين، الذين لهم فكر وروية وفراسة، يفهمون بها ما أريد بذلك، من أن من تجرأ على معاصي الله، خصوصا هذه الفاحشة العظيمة، أن الله سيعاقبهم بأشنع العقوبات، كما تجرؤوا على أشنع السيئات. * (وإنها) * أي: مدينة قوم لوط * (لبسبيل مقيم) * للسالكين، يعرفه كل من تردد في تلك الديار * (إن في ذلك لآية للمؤمنين) *، وفي هذه القصة من العبر: عنايته تعالى بخليله إبراهيم، فإن لوطا عليه السلام، من أتباعه، ومن آمن به فكأنه تلميذ له، فحين أراد الله إهلاك قوم لوط، حين استحقوا ذلك، أمر رسله أن يمروا على إبراهيم عليه السلام، كي يبشروه بالولد، ويخبروه بما بعثوا له، حتى إنه جادلهم عليه السلام في إهلاكهم، حتى أقنعوه، فطابت نفسه. وكذلك لوط عليه السلام، لما كانوا أهل وطنه، فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم، قدر الله من الأسباب، ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم، حتى استبطأ إهلاكهم لما قيل له: * (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) *، ومنها: إن الله تعالى، إذا أراد أن يهلك قرية، زاد شرهم وطغيانهم، فإذا انتهى، أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه. * (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين * فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين * ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فمآ أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * وهؤلاء قوم شعيب، نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة، وهو: البستان كثير الأشجار، ليذكروا نعمته عليهم، وأنهم ما قاموا بها، بل جاءهم
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»