تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤١٥
* (فيصيب بها من يشاء) * من عباده، بحسب ما شاءه وأراده * (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) * أي: شديد الحول والقوة، فلا يريد شيئا إلا فعله، ولا يتعاصى عليه شيء، ولا يفوته هارب. * (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * فإذا كان هو وحده، الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب، التي فيها مادة أرزاقهم، وهو الذي يدبر الأمور، وتخضع له المخلوقات العظام، التي يخاف منها، وتزعج العباد، وهو شديد القوة فهو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا شريك له، ولهذا قال: * (له دعوة الحق) * إلى * (إلا في ضلال) *. * (له) * أي: لله وحده * (دعوة الحق) * وهي: عبادته وحده لا شريك له وإخلاص دعاء العبادة، ودعاء المسألة له تعالى. أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء، والخوف والرجاء، والحب، والرغبة، والرهبة، والإنابة، لأن ألوهيته، هي الحق، وألوهية غيره باطلة، * (والذين يدعون من دونه) * من الأوثان، والأنداد، التي جعلوها شركاء لله. * (لا يستجيبون لهم) * أي: لمن يدعوها ويعبدها، بشيء قليل ولا كثير، لا من أمور الدنيا، ولا من أمور الآخرة، * (إلا كباسط كفيه إلى الماء) * الذي لا تناله كفاه لبعده، * (ليبلغ) * ببسط كفيه إلى الماء * (فاه) *، فإنه عطشان، ومن شدة عطشه، يتناول بيده ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه، فلا يصل إليه. كذلك الكفار، الذين يدعون مع الله آلهة، لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في أشد الأوقات إليهم حاجة، لأنهم فقراء، كما أن من دعوهم فقراء، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وما لهم فيهما من شرك، وما له منهم من ظهير. * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * لبطلان ما يدعون من دون الله، فبطلت عبادتهم ودعاؤهم، لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها، ولما كان الله تعالى، هو الملك الحق المبين، كانت عبادته حقا، متصلة النفع بصاحبها في الدنيا والآخرة. وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله، بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال، فكما أن هذا محال، فالمشبه به محال، والتعليق على المحال، من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى: * (إن الذين كفروا وكذبوا بآياتنا لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) *. * (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) * أي جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها، خاضعة لربها، تسجد له * (طوعا وكرها) *. فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع، اختيارا، كالمؤمنين، والكره، لمن يستكبر عن عبادة ربه، وحاله وفطرته، تكذبه في ذلك. * (وظلالهم بالغدو والآصال) * أي: وتسجد له ظلال المخلوقات، أول النهار وآخره، وسجود كل شيء، بحسب حاله كما قال تعالى: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) *. فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها، كان هو الإله حقا، المعبود المحمود حقا، وإلاهية غيره باطلة، ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله: * (قل من رب السماوات) * إلى * (الواحد القهار) *. * (قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) * أي: قل لهؤلاء المشركين به، أوثانا وأندادا، يحبونها كما يحبون الله، ويبذلون لها أنواع التقربات والعبادات: أفتاهت عقولكم، حتى اتخذتم من دونه أولياء، تتولونهم بالعبادة، وليسوا بأهل لذلك؟ فإنهم * (لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) *، وتتركون ولاية من هو كامل الأسماء والصفات، المالك للأحياء والأموات، الذي بيده الخلق والتدبير، والنفع والضر؟ فما تستوي عبادة الله وحده، وعبادة المشركين به، * (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) *؟ فإن كان عندهم شك واشتباه، وجعلوا له شركاء، زعموا أنهم خلقوا كخلقه، وفعلوا كفعله، فأزل عنهم هذا الاشتباه واللبس، بالبرهان الدال على تفرد الإله بالوحدانية، فقل لهم: * (الله خالق كل شيء) * فإنه من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه. ومن المحال أيضا، أن يوجد من دون خالق، فتعين أن لها إلها خالقا، لا شريك له في خلقه، لأنه الواحد القهار، فإنه لا توجد الوحدة والقهر، إلا لله وحده، فالمخلوقات وكل مخلوق، فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر، قاهر أعلى منه، حتى ينتهي القهر للواحد القهار. فالقهر والتوحيد، متلازمان، متعينان لله وحده، فتبين بالدليل العقلي القاهر، أن ما يدعى من دون الله، ليس له شيء من خلق المخلوقات، وبذلك كانت عبادته باطلة.
(٤١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 ... » »»