تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤٠٧
الذين هم أكمل عقولا، وأصح آراء، وليتبين أمرهم، ويتضح شأنهم. * (أفلم يسيروا في الأرض) * إذا لم يصدقوا لقولك، * (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * كيف أهلكهم الله بتكذيبهم، فاحذروا، أن تقيموا على ما قاموا عليه، فيصيبكم ما أصابهم، * (ولدار الآخرة) * أي: الجنة وما فيها، من النعيم المقيم، * (خير للذين اتقوا) * الله، في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن نعيم الدنيا منغص منكد، منقطع. ونعيم الآخرة، تام كامل، لا يفنى أبدا، بل هو على الدوام، في تزايد وتواصل، (عطاء غير مجذوذ) * (أفلا تعقلون) * أي: أفلا تكون لكم عقول، تؤثر الذي هو خير، على الأدنى. * (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين * لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ول كن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * يخبر تعالى: أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن الله تعالى يمهلهم، ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل. حتى إن الرسل على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده ربما أنه يخطر بقلوبهم، نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال * (جاءهم نصرنا فنجي من نشاء) * وهم الرسل وأتباعهم، * (ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) * أي: ولا يرد عذابنا، عمن اجترم، وتجرأ على الله * (فما لهم من قوة ولا ناصر) *. * (لقد كان في قصصهم) * أي: قصص الأنبياء والرسل مع قومهم، * (عبرة لأولي الألباب) * أي: يعتبرون بها، أهل الخير، وأهل الشر، وأن من فعل مثل فعلهم، ناله ما نالهم، من كرامة، أو إهانة، ويعتبرون بها أيضا، ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة، وأنه الله، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وحده لا شريك له. وقوله: * (ما كان حديثا يفترى) * أي: ما كان هذا القرآن، الذي قص الله به عليكم من أنباء الغيب ما قص، من الأحاديث المفتراة المختلقة، * (ولكن) * كان تصديق * (الذي بين يديه) * من الكتب السابقة، يوافقها، ويشهد لها بالصحة، * (وتفصيل كل شيء) * يحتاج إليه العباد، من أصول الدين وفروعه، ومن الأدلة والبراهين. * (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * فإنهم بسبب ما يحصل لهم به من العلم بالحق وإيثاره يحصل لهم الهدى، وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والآجل، تحصل لهم الرحمة. فصل في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة التي قال الله في أولها: * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * وقال: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * وقال في آخرها: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد. فمن ذلك، أن هذه القصة، من أحسن القصص وأوضحها، وأبينها، لما فيها من أنوع التنقلات، من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة، ومن محنة إلى محنة ومنة، ومن ذل إلى عز ومن رق إلى ملك، ومن فرقة وشتات، إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى قرار، فتبارك من قصها، فأحسنها، ووضحها وبينها. ومنها: أن فيها أصلا لتعبير الرؤيا، فإن علم التعبير، من العلوم المهمة، التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وإن أغلب ما تبنى عليه، المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة، فإن رؤيا يوسف، التي رأى فيها الشمس والقمر، وأحد عشر كوكبا له ساجدين، وجه المناسبة فيها: أن هذه الأنوار، هي زينة السماء وجمالها، وبها منافعها. فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة للأرض وجمال، وبهم يهتدى في الظلمات، كما يهتدى بهذه الأنوار، ولأن الأصل أبوه وأمه، وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل، أعظم نورا، وجرما، لما هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته. ومن المناسبة أن الشمس، لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكواكب، مذكرات، فكانت لأبيه وإخوته. ومن المناسبة، أن الساجد معظم محترم للمسجود له، والمسجود له معظم محترم، فلذلك، دل ذلك، على أن يوسف يكون معظما محترما، عند أبويه وإخوته. ومن لازم ذلك، أن يكون مجتبى مفضلا، في العلم والفضائل، الموجبة لذلك. ولذلك قال أبوه: * (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل
(٤٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»