تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤١٢
ومنها: لطف الله العظيم بيوسف، حيث نقله في تلك الأحوال، وأوصل إليه الشدائد والمحن، ليوصله بها إلى أعلى الغايات، ورفيع الدرجات. ومنها: أنه ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائما، في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك، ويسأل الله حسن الخاتمة، وتمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسلام: * (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) *. فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر، في هذه القصة المباركة، ولا بد أن يظهر للمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى، علما نافعا، وعملا متقبلا، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين. سورة الرعد * (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ول كن أكثر الناس لا يؤمنون) * يخبر تعالى: أن هذا القرآن، هو آيات الكتاب الدالة، على كل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه، وأن الذي أنزل إلى الرسول من ربه، هو الحق المبين، لأن إخباره صدق، وأوامره، ونواهيه، عدل، مؤيدة بالأدلة والبراهين القاطعة، فمن أقبل عليه، وعلى علمه، كان من أهل العلم بالحق، الذي يوجب لهم علمهم به، العمل بما أوجب الله. * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * بهذا القرآن، إما جهلا، وإعراضا عنه، وعدم اهتمام به، وإما عنادا وظلما، فلذلك أكثر الناس، غير منتفعين به، لعدم السبب الموجب للانتفاع. * (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسم ى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقآء ربكم توقنون * وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بمآء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير، والعظمة والسلطان، الدال على أنه وحده المعبود، الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال: * (الله الذي رفع السماوات) * على عظمها واتساعها، بقدرته العظيمة، * (بغير عمد ترونها) * أي: ليس لها عمد من تحتها، فإنه لو كان لها عمد، لرأيتموها، * (ثم) * بعد ما خلق السماوات والأرض * (استوى على العرش) * العظيم الذي هو أعلى المخلوقات، استواء يليق بجلاله، ويناسب كماله. * (وسخر الشمس والقمر) * لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم، * (كل) * من الشمس والقمر * (يجري) * بتدبير العزيز العليم، * (إلى أجل مسمى) * بسير منتظم، لا يفتران، ولا ينيان، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم، ونقلهم إلى الدار الآخرة، التي هي دار القرار، فعند ذلك يطوي الله السماوات، ويبدلها، ويغير الأرض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر، ويجمع بينهما، فيلقيان في النار، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة؛ فيتحسر بذلك أشد الحسرة، وليعلم الذين كفروا، أنهم كانوا كاذبين. وقوله: * (يدبر الأمر يفصل الآيات) * هذا جمع بين الخلق والأمر، أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي، فيخلق ويرزق، ويغني، ويفقر، ويرفع أقواما، ويضع آخرين، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ الأقدار في أوقاتها، التي سبق بها علمه، وجرى بها قلمه، ويرسل ملائكته الكرام، لتدبير ما جعلهم على تدبيره. وينزل الكتب الإلهية على رسله، ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع، والأوامر والنواهي، ويفصلها غاية التفصيل، ببيانها، وإيضاحها وتمييزها، * (لعلكم) * بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية، والآيات القرآنية، * (بلقاء ربكم توقنون) * فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها، من أسباب حصول اليقين، في جميع الأمور الإلهية، خصوصا في العقائد الكبار، كالبعث والنشور والإخراج من القبور. وأيضا، فقد علم أن الله تعالى، حكيم لا يخلق الخلق سدى، ولا يتركهم عبثا، فكما أنه أرسل رسله، وأنزل كتبه، لأمر العباد ونهيهم، فلا بد أن ينقلهم إلى دار، يحل فيها جزاؤه، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء، ويجازي المسيئين بإساءتهم. * (وهو الذين مد الأرض) * أي: خلقها للعباد، ووسعها، وبارك فيها، ومدها للعباد، وأودع فيها من مصالحهم ما أودع، * (وجعل فيها رواسي) * أي: جبالا عظاما، لئلا تميد بالخلق، فإنه لولا الجبال، لمادت بأهلها، لأنها على تيار ماء، لا ثبوت لها، ولا استقرار، إلا بالجبال الرواسي، التي جعلها الله أوتادا لها.
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»