لا إثم على من باشره، ببيع، أو شراء، أو خدمة، أو انتفاع، أو استعمال. فإن يوسف عليه السلام، باعه إخوته بيعا حراما، لا يجوز. ثم ذهبت به السيارة إلى مصر، فباعوه بها، وبقي عند سيده غلاما رقيقا، وسماه الله سيدا، وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم. ومنها: الحذر من الخلوة بالنساء، اللائي يخشى منهن الفتنة، والحذر أيضا من المحبة، التي يخشى ضررها. فإن امرأة العزيز، جرى منها ما جرى، بسبب انفرادها بيوسف، وحبها الشديد له، الذي ما تركها، حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه، فسجن بسببها مدة طويلة. ومنها: أن الهم الذي، هم به يوسف بالمرأة، ثم تركه لله، مما يرقيه إلى الله زلفى، لأن الهم داع من دواعي النفس، الأمارة بالسوء، وهو طبيعة لأغلب الخلق. فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته، غلبت محبة الله وخشيته، داعي النفس، والهوى، فكان ممن * (خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) *، ومن السبعة الذين يظلمهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، وإنما الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه، ويصير عزما، ربما اقترن به الفعل. ومنها: أن من دخل الإيمان قلبه، وكان مخلصا لله، في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه، وصدق إخلاصه، من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي، ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله: * (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) * على قراءة من قرأها بكسر اللام، ومن قرأها بالفتح، فإنه من إخلاص الله إياه، وهو متضمن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلص عمله لله، وخلصه الله، وخلصه من السوء والفحشاء. ومنها: أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلا فيه فتنة وأسباب معصية، أن يفر منه، ويهرب، غاية ما يمكنه، ليتمكن من التخلص من المعصية، لأن يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربا، يطلب الباب، ليتخلص من شرها. ومنها: أن القرائن يعمل بها، عند الاشتباه، فلو تخاصم رجل وامرأته في شيء من أواني الدار، فما يصلح للرجل، فإنه للرجل، وما يصلح للمرأة، فهو لها، هذا إذا لم يكن بينة. وكذا لو تنازع نجار وحداد في آلة حرفتهما، من غير بينة، والعمل بالقيافة، في الأشباه والأثر، من هذا الباب. فإن شاهد يوسف شهد القرينة، وحكم بها في قد القميص، واستدل بقده من دبره على صدق يوسف وكذبها. ومما يدل على هذه القاعدة، أن استدل بوجود الصواع في رحل أخيه على الحكم عليه بالسرقة، من غير بينة شهادة، ولا إقرار. فعلى هذا، إذا وجد المسروق في يد السارق، خصوصا إذا كان معروفا بالسرقة، فإنه يحكم عليه بالسرقة، وهذا أبلغ من الشهادة، وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر، أو وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد، حاملا فإنه يقام بذلك الحد، ما لم يقع مانع منه، ولهذا سمى الله هذا الحكم شاهدا فقال: * (وشهد شاهد من أهلها) *. ومنها: ما عليه يوسف، من الجمال الظاهر والباطن، فإن جماله الظاهر، أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب. وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على ذلك أن قطعن أيديهن وقلن * (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) *. وأما جماله الباطن، فهو العفة العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها، وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته، ولهذا قالت امرأة العزيز: * (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) *، وقالت بعد ذلك: * ( الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) *، وقالت النسوة: * (حاش لله ما علمنا عليه من سوء) *. ومنها: أن يوسف عليه السلام، اختار السجن على المعصية. فهكذا ينبغي للعبد، إذا ابتلي بين أمرين إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية أن يختار العقوبة الدنيوية، على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة، في الدنيا والآخرة. ولهذا من علامات الإيمان، أن يكره العبد أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار. ومنها: أنه ينبغي للعبد، أن يلتجىء إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، لقول يوسف عليه السلام: * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) *. ومنها: أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصية ضارا لصاحبه.
(٤٠٩)