السجن، لم يحضر. فلما تحقق الملك والناس، براءة يوسف التامة، أرسل إليه الملك وقال: * (ائتوني به أستخلصه لنفسي) * أي: أجعله من خلصائي، ومقربا لدي، فائتوه به مكرما محترما، * (فلما كلمه) * أعجبه كلامه، وزاد موقعه عنده فقال له: * (إنك اليوم لدينا) * أي: عندنا * (مكين أمين) * أي: متمكن، أمين على الأسرار. * (قال) * يوسف طلبا للمصلحة العامة: * (اجعلني على خزائن الأرض) * أي: على خزائن جبايات الأرض وغلالها، وكيلا، حافظا، مدبرا. * (إني حفيظ عليم) * أي: حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابط للداخل والخارج، عليم بكيفية التدبير، والإعطاء، والمنع، والتصرف في جميع أنواع التصرفات، وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية، وإنما هو رغبة منه، في النفع العام، وقد عرف من نفسه من الكفاية والأمانة، والحفظ، ما لم يكونوا يعرفونه. فلذلك طلب من الملك، أن يجعله على خزائن الأرض فجعله الملك على خزائن الأرض، وولاه إياها. قال تعالى: * (وكذلك) * أي بهذه الأسباب والمقدمات المذكورة، * (مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) * في عيش رغد، ونعمة واسعة، وجاه عريض، * (نصيب برحمتنا من نشاء) * أي: هذا من رحمة الله بيوسف، التي أصابه بها، وقدرها له، وليست مقصورة على نعمة الدنيا. * (ولا نضيع أجر المحسنين) * ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين فله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. ولهذا قال: * (ولأجر الآخرة خير) * من أجر الدنيا * (للذين آمنوا وكانوا يتقون) * أي: لمن جمع بين التقوى والإيمان. فبالتقوى، تترك الأمور المحرمة، من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام، يحصل تصديق القلب، بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، من الواجبات والمستحبات. * (وجآء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون * ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين * فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون * وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونهآ إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون * فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل فأرسل معنآ أخانا نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يأبانا ما نبغي ه ذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل * وقال يبني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ومآ أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ول كن أكثر الناس لا يعلمون) * أي: لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الأرض، دبرها أحسن تدبير، فزرع في أرض مصر جميعها، في السنين المخصبة، زروعا هائلة، واتخذ لها المحلات الكبار، وجبى من الأطعمة، شيئا كثيرا، وحفظه، وضبطه ضبطا تاما، فلما دخلت السنون المدجية، وسرى الجدب، حتى وصل إلى فلسطين، التي يقيم فيها يعقوب وبنوه. فأرسل يعقوب بينه، لأجل الميرة إلى مصر، * (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) * أي: لم يعرفوه. * (ولما جهزهم بجهازهم) * أي: كال لهم كما كان يكيل لغيرهم، وكان من تدبيره الحسن، أنه لا يكيل لكل واحد، أكثر من حمل بعير، وكان قد سألهم عن حالهم، فأخبروه أن لهم أخا عند أبيه، وهو بنيامين. * (قال) * لهم: * (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) * ثم رغبهم في الإتيان به فقال: * (ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين) * في الضيافة والإكرام. ثم رهبهم بعدم الإتيان به، فقال: * (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) *، وذلك، لعلمه باضطرارهم إلى الإتيان إليه، وأن ذلك يحملهم على الإتيان به. * (قالوا سنراود عنه أباه) * دل هذا على أن يعقوب عليه السلام، كان مولعا به، لا يصبر عنه، وكان يتسلى به بعد يوسف، فلذلك احتاج إلى مراودة في بعثه معهم * (وإنا لفاعلون) * لما أمرتنا به، * (وقال) * يوسف * (لفتيانه) * الذين في خدمته: * (اجعلوا بضاعتهم) * أي: الثمن الذي اشتروا به من الميرة. * (في رحالهم لعلهم يعرفونها) * أي: بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك، في رحالهم، * (لعلهم يرجعون) * لا لأجل التحرج من أخذها على ما قيل، والظاهر، أنه أراد أن يرغبهم في إحسانه إليهم، بالكيل لهم كيلا وافيا ثم إعادة بضاعتهم إليهم، على وجه لا يحسون بها، ولا يشعرون لما يأتي، فإن الإحسان، يوجب للإنسان، تمام الوفاء للمحسن. * (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل) * أي: إن لم ترسل معنا أخانا، * (فأرسل معنا أخانا نكتل) * أي: ليكون ذلك سببا لكيلنا، ثم التزموا له بحفظه فقالوا: * (وإنا له لحافظون) * من أن يعرض له ما يكره. * (قال) * لهم يعقوب عليه السلام: * (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) *، أي: تقدم منكم التزام أكثر من هذا، في حفظ يوسف، ومع هذا، فلم تفوا بما عقدتم من التأكيد، فلا أثق بالتزامكم وحفظكم، وإنما أثق
(٤٠١)