الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها. لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينه بأبويه وإخوته وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، فقال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام: * (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) * * (رب قد آتيتني من الملك) * وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك * (وعلمتني من تأويل الأحاديث) * أي: من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم * (فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما) * أي: أدم علي الإسلام وثبتني عليه حتى تتوفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، * (وألحقني بالصالحين) * من الأنبياء والأبرار والأصفياء الأخيار. * (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) * لما قص الله هذه القصة على محمد صلى الله عليه وسلم قال الله له: * (ذلك) * النبأ الذي أخبرناك به * (من أنباء الغيب نوحيه إليك) * ولولا إيحاؤنا إليك، لما وصل إليك هذا الخبر الجليل، * (و) * أنك * (ما كنت) * حاضرا * (لديهم إذ أجمعوا أمرهم) * أي: إخوة يوسف * (وهم يمكرون) * به، حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين أبيه، في حالة لا يطلع عليها إلا الله تعالى، ولا يمكن أحدا أن يصل إلى علمها، إلا بتعليم الله له إياها. كما قال تعالى لما قص قصة موسى، وما جرى له، ذكر الحال التي لا سبيل للخلق إلى علمها إلا بوحيه فقال: * (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين) * الآيات، فهذا أدل دليل، على أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق وصدق. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) * * (وما أكثر الناس ولو حرصت) * على إيمانهم * (بمؤمنين) * فإن مداركهم ومقاصدهم، قد أصبحت فاسدة، فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم، ولو عدمت الموانع، بأنهم كانوا يعلمونهم، ويدعونهم إلى ما فيه الخير لهم، ودفع الشر عنهم، من غير أجر ولا عوض، ولو أقاموا لهم من الشواهد والآيات الدالات على صدقهم ما أقاموا. ولهذا قال: * (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين) * يتذكرون به ما ينفعهم، ليفعلوه، وما يضرهم ليتركوه. * (وكأين) * أي: وكم. * (من آية في السماوات والأرض يمرون عليها) * دالة لهم على توحيد الله * (وهم عنها معرضون) *. ومع هذا * (و) * إن وجد منهم بعض الإيمان * (ما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) *، فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال، لم يبق عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفاجئهم العقاب وهم آمنون، ولهذا قال: * (أفأمنوا) * أي: الفاعلون لتلك الأفعال، المعرضون عن آيات الله * (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) * أي: عذاب، يغشاهم ويعمهم، ويستأصلهم، * (أو تأتيهم الساعة بغتة) * أي: فجأة * (وهم لا يشعرون) * أي: فإنهم قد استوجبوا ذلك، فليتوبوا إلى الله، وليتركوا ما يكون سببا في عقابهم. * (قل ه ذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله ومآ أنا من المشركين * ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) * يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * (قل) * للناس * (هذه سبيلي) * أي: طريقي، التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله، وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق، والعمل به، وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، * (ادعوا إلى الله) * أي: أحث الخلق والعباد، على الوصول إلى ربهم، وأرهبهم في ذلك، وأرغبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا، فأنا * (على بصيرة) * من ديني، أي: على علم ويقين، من غير شك ولا امتراء، ولا مرية، * (انا و) * كذلك * (من اتبعني) * يدعو إلى الله، كما أدعوه، على بصيرة من أمره، * (وسبحان الله) * عما ينسب إليه، مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله. * (وما أنا من المشركين) * في جميع أموري، بل أعبد الله، مخلصا له الدين. ثم قال تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) * أي: لم نرسل ملائكة ولا غيرهم من أصناف الخلق، فلأي شيء يستغرب قومك رسالتك ويزعمون أنه ليس عليهم فضل. فلك فيمن قبلك من المرسلين أسوة حسنة * (نوحي إليهم من أهل القرى) * أي: لا من البادية، بل من أهل القرى،
(٤٠٦)