بالله تعالى. * (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) * أي: يعلم حالي، وأرجو أن يرحمني، فيحفظه ويرده علي، وكأنه في هذا الكلام، قد لان لإرساله معهم. ثم إنهم * (لما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم) *، هذا دليل، على أنه قد كان معلوما عندهم، أن يوسف قد ردها عليهم بالقصد، وأنه أراد أن يملكهم إياها، * (قالوا) * لأبيهم ترغيبا في إرسال أخيهم معهم: * (يا أبانا ما نبغي) * أي: أي شيء نطلب بعد هذا الإكرام الجميل، حيث وفى لنا الكيل، ورد علينا بضاعتنا، على الوجه الحسن، المتضمن للإخلاص، ومكارم الأخلاق؟ * (هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا) * أي: إذا ذهبنا بأخينا، صار سببا لكيله لنا، فنمير أهلنا، ونأتي لهم، بما هم مضطرون إليه من القوت، * (ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير) * بإرساله معنا، فإنه يكيل لكل واحد حمل بعير، * (ذلك كيل يسير) * أي: سهل، لا ينالك منه ضرر، لأن المدة لا تطول، والمصلحة قد تبينت. * (قال) * لهم يعقوب: * (لن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله) * أي: عهدا ثقيلا، وتحلفون بالله * (لتأتنني به إلا أن يحاط بكم) * أي: إلا أن يأتيكم أمر، لا قبل لكم به، ولا تقدرون دفعه، * (فلما آتوه موثقهم) * على ما قال وأراد * (قال الله على ما نقول وكيل) * أي: تكفينا شهادته علينا، وحفظه وكفالته، ثم لما أرسله معهم، وصاهم، إذا هم قدموا مصر، أن * (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) * وذلك لأنه خاف عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب. * (و) * إلا * (ما أغني عنكم من الله من شيء) * فالمقدر، لا بد أن يكون، * (إن الحكم إلا لله) * أي: القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به، لا بد أن يقع، * (عليه توكلت) * أي: اعتمدت على الله، لا على ما وصيتكم به من السبب، * (وعليه فليتوكل المتوكلون) * فإن بالتوكل، يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب. * (ولما) * ذهبوا و * (دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان) * ذلك الفعل * (يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) * وهو موجب الشفقة، والمحبة للأولاد، فحصل له في ذلك، نوع طمأنينة، وقضاء لما في خاطره. وليس هذا قصورا في علمه، فإنه من الرسل الكرام، والعلماء الربانيين، ولهذا قال عنه: * (وإنه لذو علم) * أي: لصاحب علم عظيم * (لما علمناه) * أي: لتعليمنا إياه، لا بحوله وقوته أدركه، بل بفضل الله وتعليمه، * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * عواقب الأمور، ودقائق الأشياء وكذلك أهل العلم منهم، يخفى عليهم من العلم وأحكامه، ولوازمه شيء كثير. * (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين * قالوا فما جزآؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزآؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعآء أخيه ثم استخرجها من وعآء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشآء وفوق كل ذي علم عليم * قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إن آ إذا لظالمون) * أي: لما دخل إخوة يوسف على يوسف * (آوى إليه أخاه) * أي: شقيقه وهو (بنيامين) الذي أمرهم بالإتيان به، وضمه إليه، واختصه من بين إخوته، وأخبره بحقيقة الحال، * (قال إني أنا أخوك فلا تبتئس) * أي: لا تحزن * (بما كانوا يعملون) * فإن العاقبة خير لنا. ثم أخبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر. * (فلما جهزهم بجهازهم) * أي: كال لكل واحد من إخوته، ومن جملتهم أخوه هذا، * (جعل السقاية) * وهو: الإناء الذي يشرب به، ويكاد فيه * (في رحل أخيه ثم) * أوعوا متاعهم، فلما انطلقوا ذاهبين، * (أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون) *، ولعل هذا المؤذن، لم يعلم بحقيقة الحال. * (قالوا) * أي: إخوة يوسف * (وأقبلوا عليهم) * لإبعاد التهمة. فإن السارق، ليس له هم إلا البعد والانطلاق عمن سرق منه، لتسلم له سرقته، وهؤلاء جاءوا مقبلين إليهم، ليس لهم هم إلا
(٤٠٢)