تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٤٧
ذلك توبيخا لهم، وعارا عليهم ونكالا أن يفعل أحد كفعلهم. * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) * يقول تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات) * من المنافقين * (ولا تقم على قبره) * بعد الدفن، لتدعو له، فإن صلاته، ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم، ولا تنفع فيهم الشفاعة. * (إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) * ومن كان كافرا ومات على ذلك، فما تنفعه شفاعة الشافعين، وفي ذلك عبرة لغيرهم، وزجر، ونكال لهم، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق، فإنه لا يصلى عليه. وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في المؤمنين، فإن تقييد الله بالمنافقين، يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين. * (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * أي: لا تغتر بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال والأولاد، فليس ذلك لكرامتهم عليه، وإنما ذلك إهانة منه لهم. * (إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا) * فيتعبون في تحصيلها، ويخافون من زوالها، ولا يتهنأون بها. بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها، وتلهيهم عن الله والدار الآخرة، حتى ينتقلوا من الدنيا * (وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * قد سلبهم حبها كل شيء، فماتوا، وقلوبهم بها متعلقة، وأفئدتهم عليها متحرقة. * (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) * يقول تعالى: في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات، وأنها لا تؤثر فيهم السور والآيات: * (وإذا أنزلت سورة) * يؤمرون فيها بالإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله. * (استأذنك أولوا الطول منهم) * يعني: أولي الغنى والأموال، الذين لا عذر لهم، وقد أمدهم الله بأموال وبنين، أفلا يشكرون الله ويحمدونه، ويقومون بما أوجبه عليهم، وسهل عليهم أمره، ولكن أبوا إلا التكاسل، والاستئذان في القعود * (وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) *. قال تعالى: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) * كيف رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد، هل معهم فقه أو عقل، دلهم على ذلك؟ أم * (طبع الله على قلوبهم) * فلا تعي الخير، ولا يكون فيها إرادة لفعل ما فيه الخير والفلاح؟ فهم لا يفقهون مصالحهم، فلو فقهوا حقيقة الفقه، لم يرضوا لأنفسهم بهذه الحال، التي تحطهم عن منازل الرجال. * (ل كن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأول ئك لهم الخيرات وأول ئك هم المفلحون * أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) * يقول تعالى: إذا تخلف هؤلاء المنافقون عن الجهاد، فالله سيغني عنهم، ولله عباد وخواص من خلقه، اختصهم بفضله، يقومون بهذا الأمر، وهم * (الرسول) * محمد صلى الله عليه وسلم * (والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم) * غير متثاقلين ولا كسلين، بل هم فرحون مستبشرون، * (وأولئك لهم الخيرات) * الكثيرة في الدنيا والآخرة، * (وأولئك هم المفلحون) * الذين ظفروا بأعلى المطالب، وأكمل الرغائب. * (أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) *، فتبا لمن لم يرغب بما رغبوا فيه، وخسر دينه، ودنياه، وأخراه، وهذا نظير قوله تعالى: * (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) *. وقوله: * (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) *. * (وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) * يقول تعالى: * (وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم) *. أي: جاء الذين تهاونوا، وقصروا منهم في الخروج لأجل أن يؤذن لهم في ترك الجهاد، غير مبالين في الاعتذار لجفائهم، وعدم حيائهم، وإتيانهم بسبب ما معهم من الإيمان الضعيف. وأما الذين كذبوا الله ورسوله منهم، فقعدوا وتركوا الاعتذار بالكلية، ويحتمل أن معنى قوله: * (المعذرون) * أي: الذين لهم عذر، أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعذرهم، ومن عادته أن يعذر من له عذر. * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * في دعواهم الإيمان، المقتضي للخروج، وعدم علمهم بذلك، ثم توعدهم بقوله: * (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) * في الدنيا والآخرة. لما ذكر المعتذرين، وكانوا على قسمين، قسم معذور في الشرع، وقسم غير معذور، ذكر ذلك بقوله: * (ليس على الضعفاء) * في أبدانهم وأبصارهم، الذين لا قوة لهم على الخروج والقتال. * (ولا على المرضى) *
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»