ليضل قوما) * (إلي) * (ولا نصير) *. * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم * إن الله له ملك السماوات والأرض يحي ي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * يعني أن الله تعالى إذا من على قوم بالهداية، وأمرهم بسلوك الصراط المستقيم، فإنه تعالى يتمم عليهم إحسانه، ويبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، وتدعو إليه ضرورتهم، فلا يتركهم ضالين، جاهلين بأمور دينهم، ففي هذا دليل على كمال رحمته، وأن شريعته وافية، بجميع ما يحتاجه العباد في أصول الدين وفروعه. ويحتمل أن المراد بذلك * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) * فإذا بين لهم ما يتقون، فلم ينقادوا له، عاقبهم بالإضلال، جزاء لهم، على ردهم الحق المبين، والأول أولى. * (إن الله بكل شيء عليم) * فلكمال علمه وعمومه علمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبين لكم ما به تنتفعون. * (إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) * أي: هو المالك لذلك، المدبر لعباده بالإحياء والإماتة، وأنواع التدابير الإلهية، فإذا كان لا يخل بتدبيره القدري فكيف يخل بتدبيره الديني، المتعلق بإلهيته، ويترك عباده سدى مهملين، أو يدعهم ضالين جاهلين، وهو أعظم تولية لعباده؟ فلهذا قال: * (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * أي: ولي يتولاكم، بجلب المنافع لكم، أو * (نصير) * يدفع عنكم المضار. * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) * يخبر تعالى أنه من لطفه وإحسانه * (تاب على النبي) * محمد صلى الله عليه وسلم * (والمهاجرين والأنصار) * فغفر لهم الزلات، ووفر لهم الحسنات، ورقاهم إلى أعلى الدرجات، وذلك بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، ولهذا قال: * (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) * أي: خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة (تبوك) وكانت في حر شديد، وضيق من الزاد والركوب، وكثرة عدد مما يدعو إلى التخلف. فاستعانوا بالله تعالى، وقاموا بذلك * (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) * أي: تنقلب قلوبهم، ويميلوا إلى الدعة والسكون، ولكن الله ثبتهم، وأيدهم وقواهم. وزيغ القلب، هو انحرافه عن الصراط المستقيم، فإن كان الانحراف في أصل الدين، كان كفرا، وإن كان في شرائعه، كان بحسب تلك الشريعة، التي زاغ عنها، إما قصر عن فعلها، أو فعلها على غير الوجه الشرعي. وقوله: * (ثم تاب عليهم) * أي: قبل توبتهم * (إنه بهم رؤوف رحيم) *، ومن رأفته ورحمته، أن من عليهم بالتوبة، وقبلها منهم، وثبتهم عليها. * (و) * كذلك لقد تاب * (على الثلاثة الذين خلفوا) * عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة، وهم: (كعب بن مالك) وصاحباه، وقصتهم مشهورة، معروفة، في الصحاح والسنن. * (حتى إذا) * حزنوا حزنا عظيما، و * (ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * أي: على سعتها ورحبها * (وضاقت عليهم أنفسهم) * التي هي أحب إليهم من كل شيء، فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق، منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة، ما لا يمكن التعبير عنه، وذلك لأنهم قدموا رضا الله ورضا رسوله على كل شيء. * (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) * أي: تيقنوا، وعرفوا بحالهم، أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجأ إليه، إلا الله وحده لا شريك به، فانقطع تعلقهم بالمخلوقين، وتعلقوا بالله ربهم، وفروا منه إليه، فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة. * (ثم تاب عليهم) * أي: أذن في توبتهم، ووفقهم لها * (ليتوبوا) * لتقع منهم، فيتوب الله عليهم. * (إن الله هو التواب) * أي: كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والنقصان. * (الرحيم) * وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد، في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية. وفي هذه الآيات دليل على أن توبة الله على العبد، أجل الغايات، وأعلى النهايات، فإن الله جعلها نهاية خواص عباده، وامتن عليهم بها، حين عملوا الأعمال التي يحبها ويرضاها. ومنها: لطف الله بهم، وتثبيتهم في إيمانهم، عند الشدائد، والنوازل المزعجة. ومنها: أن العبادة الشاقة على النفس، لها فضل ومزية، ليست لغيرها، وكلما عظمت المشقة، عظم الأجر. ومنها: أن توبة الله على عبده، بحسب ندمه وأسفه الشديد، وأن من لا يبالي بالذنب، ولا يحرج إذا فعله، فإنت توبته مدخولة، وإن زعم أنها مقبولة. ومنها: أن علامة الخير وزوال الشدة، إذا تعلق القلب بالله تعالى، تعلقا تاما، وانقطع عن المخلوقين. ومنها: أن من لطف الله بالثلاثة، أن وسمهم بوسم، ليس بعار عليهم فقال: * (خلفوا) * إشارة إلى أن المؤمنين
(٣٥٤)