تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢٧
عذاب يوم بدر، ما نجا منه إلا عمر). * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) * وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم، ولم تحل لأمة قبلها. * (واتقوا الله) * في جميع أموركم ولازموها، شكرا لنعم الله عليكم، * (إن الله غفور) * يغفر لمن تاب إليه، جميع الذنوب، ويغفر لمن لم يشرك به شيئا، جميع المعاصي. * (رحيم) * بكم، حيث أباح لكم الغنائم، وجعلها حلالا طيبا. * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم) * وهذه نزلت في أسارى يوم بدر، وكان من جملتهم، العباس، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما طلب منه الفداء، ادعى أنه مسلم قبل ذلك، فلم يسقطوا عنه الفداء، فأنزل الله تعالى، جبرا لخاطره، ومن كان على مثل حاله: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * أي: من المال، بأن ييسر لكم من فضله، خيرا كثيرا، مما أخذ منكم. * (ويغفر لكم) * ذنوبكم، ويدخلكم الجنة * (والله غفور رحيم) *. وقد أنجز الله وعده للعباس وغيره، فحصل له بعد ذلك من المال شيء كثير، حتى إنه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه، ما يطيق حمله فأخذ منه، ما كاد أن يعجز عن حمله. * (وإن يريدوا خيانتك) * في السعي لحربك، ومنابذتك، * (فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) * فليحذروا خيانتك، فإنه تعالى قادر عليهم، وهم تحت قبضته. * (والله عليم حكيم) *، أي: عليم بكل شيء، حكيم، يضع الأشياء مواضعها. ومن علمه وحكمته أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة الجميلة، وقد تكفل بكفايتكم، شأن الأسرى وشرهم إن أرادوا خيانة. * (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أول ئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) * هذا عقد موالاة ومحبة، عقدها الله بين المهاجرين، الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله، وتركوا أوطانهم لله، لأجل الجهاد في سبيل الله، وبين الأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض. * (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) * فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم، في وقت شدة الحاجة إلى الرجال، فلما لما يهاجروا، لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء. لكنهم * (إن استنصروكم في الدين) * أي: لأجل قتال من قاتلهم * (فعليكم النصر) * والقتال معهم، وأما من قاتلوهم لغير ذلك، من المقاصد فليس عليكم نصرهم. وقوله تعالى: * (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) * أي: عهد بترك القتال، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون، الذين لم يهاجروا قتالهم، فلا تعينوهم عليهم، لأجل ما بينكم وبينهم من الميثاق. * (والله بما تعملون بصير) * يعمل ما أنتم عليه، من الأحوال، فيشرع لكم من الأحكام ما يليق بكم. * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) * لما عقد الولاية بين المؤمنين، أخبر أن الكفار، حيث جمعهم الكفر فبعضهم أولياء بعض، فلا يواليهم، إلا كافر مثلهم. وقوله: * (إلا تفعلوه) * أي: موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، بأن واليتموهم أو عاديتموهم كلهم، أو واليتم الكافرين، وعاديتم المؤمنين. * (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) * فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار، كالجهاد، والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع، والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض. * (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أول ئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأول ئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»