تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣١٠
منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنى، فكل اسم من أسمائه، دال على جميع الصفة، التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها. وذلك نحو (العليم) الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. و (الرحيم) الدال على أن له رحمة عظيمة، واسعة لكل شيء. و (القدير) الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك. ومن تمام كونها (حسنى) أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: * (فادعوه بها) * وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة. فيدعى في كل مطلوب، بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علي يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك. وقوله: * (وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) *، أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه، وحقيقة الإلحاد، الميل بها، عما جعلت له. إما بأن يسمى بها، من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنى، ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها. فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها، ويحذر الملحدون فيها، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة). * (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * وقوله: * (ومن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * أي: ومن جملة من خلقنا، أمة فاضلة، كاملة في نفسها، مكملة لغيرها، يهدون أنفسهم وغيرهم، بالحق، فيعلمون الحق، ويعملون به، ويعلمونه، ويدعون إليه وإلى العمل به. * (وبه يعدلون) * بين الناس في أحكامهم، إذا حكموا في الأموال، والدماء والحقوق، والمقالات، وغير ذلك. وهؤلاء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين أنعم الله عليهم بالإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. وهم الصديقون الذين مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة، وهم في أنفسهم مراتب متفاوتة كل بحسب حاله، وعلو منزلته. فسبحان من يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. * (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين * أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين * أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون * من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) * أي: والذين كذبوا بآيات الله، الدالة على صحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى فردوها ولم يقبلوها. * (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * بأن الله يدر لهم الأرزاق. * (وأملي لهم) * أي: أمهلهم، حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون، ولا يعاقبون، فيزدادوا كفرا وطغيانا، وشرا إلى شرهم. وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولهذا قال: * (إن كيدي متين) * أي: قوي بليغ. * (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم) * صلى الله عليه وسلم * (من جنة) * أي: أو لم يعملوا أفكارهم، وينظروا: هل في صاحبهم، الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء، هل هو مجنون. فلينظروا في أخلاقه وهديه، وعدله وصفاته، وينظروا في ما دعا إليه، فلا يجدون فيه من الصفات إلا أكملها، ولا من الأخلاق إلا أتمها، ولا من العقل والرأي، إلا ما فاق به العالمين، ولا يدعو إلا لكل خير، ولا ينهى إلا عن كل شر. أفبهذا يا أولي الألباب جنة؟ أم هو الإمام العظيم، والناصح المبين، والماجد الكريم، والرؤوف الرحيم؟ ولهذا قال: * (إن هو إلا نذير مبين) * أي: يدعو الخلق إلى ما ينجيهم من العذاب، ويحصل لهم الثواب. * (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض) * فإنهم إذا نظروا إليها، وجدوها أدلة على توحيد ربها، وعلى ما له من صفات الكمال. * (و) * كذلك لينظروا إلى جميع * (ما خلق الله من شيء) * فإن جميع أجزاء العالم، تدل أعظم دلالة، على الله وقدرته، وحكمته، وسعة رحمته، وإحسانه، ونفوذ مشيئته، وغير ذلك من صفاته العظيمة، الدالة على تفرده بالخلق، والتدبير، الموجبة لأن يكون هو المعبود المحمود، المسبح الموحد المحبوب. وقوله: * (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) * أي: لينظروا في خصوص حالهم، ولينظروا لأنفسهم قبل أن يقترب أجلهم، ويفاجأهم الموت، وهم في غفلة معرضون، فلا يتمكنون حينئذ من استدراك الفارط. * (فبأي حديث بعده يؤمنون) * أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل، فأي حديث يؤمنون به؟ أبكتب الكذب والضلال؟ أم بحديث كل مفتر دجال؟. ولكن الضال لا حيلة فيه، ولا سبيل إلى هدايته، ولهذا قال تعالى: * (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) * أي: يتحيرون ويترددون، فلا يخرجون من طغيانهم، ولا يهتدون إلى حق. * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتهآ إلا هو ثقلت في
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»