وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة كالرافضة وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء (80 - 82) * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) * ذكر أفعالهم القبيحة ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة أي: قليلة تعد بالأصابع فجمعوا بين الإساءة والأمن ولما كان هذا مجرد دعوى رد الله تعالى عليهم فقال * (قل) * لهم يا أيها الرسول * (أتخذتم عند الله عهدا) * أي: بالإيمان به وبرسله وبطاعته فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل * (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) *؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقف على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا فتكون دعواهم صحيحة وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون قائلون عليه ما لا يعلمون والقول عليه بلا علم من أعظم المحرمات وأشنع القبيحات ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم وهو الحكم الذي لا حكم غيره لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال: * (بلي) * أي: ليس الأمر كما ذكرتم فإنه قول لا حقيقة له ولكن * (من كسب سيئة) * وهو نكرة في سياق الشرط فيعم الشرك فما دونه والمراد به هنا الشرك بدليل قوله: * (وأحاطت به خطيئته) * أي: أحاطت بعاملها فلم تدع له منفذا وهذا لا يكون إلا الشرك فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته * (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية وهي حجة عليهم كما ترى فإنها ظاهرة في الشرك وهكذا كل مبطل يحتج بآية أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه * (والذين آمنوا) * بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر * (وعملوا الصالحات) * ولا تكون الأعمال صالحه إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله متبعا بها سنة رسوله فحاصل هاتين الآيتين أن أهل النجاة والفوز هم أهل الإيمان والعمل الصالح والهالكون أهل النار هم المشركون بالله الكافرون به (83) * (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) * وهذه الشرائع من أصول الدين التي أمر الله بها في كل شريعة لاشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان فلا يدخلها نسخ كأصل الدين ولهذا أمرنا الله بها في قوله: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * إلى آخر الآية فقوله: * (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) * هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به استعصوا؛ فلا يقبلونه إلا بالإيمان الغليظة والعهود الموثقة * (لا تعبدون إلا الله) * هذا أمر بعبادة الله وحده ونهي عن الشرك به وهذا أصل الدين فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها فهذا حق الله تعالى على عباده ثم قال: * (وبالوالدين إحسانا) * أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين أو عدم الإحسان والإساءة لأن الواجب الإحسان والأمر بالشيء نهي عن ضده وللإحسان ضدان: الإساءة وهي أعظم جرما وترك الإحسان بدون إساءة وهذا محرم لكن لا يجب أن يلحق بالأول وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى والمساكين وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد بل تكون بالحد كما تقدم ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: * (وقولوا للناس حسنا) * ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق وهو الإحسان بالقول فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار ولهذا قال تعالى: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به
(٥٧)