ولهذا قال: * (الذين يظنون) * أي: يستيقنون * (إنهم ملاقوا ربهم) * فيجازيهم بأعمالهم * (وأنهم إليه راجعون) * فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات وأما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا وخوفهم بيوم القيامة الذي * (لا تجزي) * فيه أي: لا تغني * (نفس) * ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين * (عن نفس) * ولو كانت من العشيرة الأقربين * (شيئا) * لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه * (ولا يقبل منها) * أي: النفس شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه وكان على السبيل والسنة * (ولا يؤخذ منها عدل) * أي: فداء * (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب) * ولا يقبل منهم ذلك * (ولا هم ينصرون) * أي: يدفع عنهم المكروه فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه فقوله: * (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * هذا في تحصيل المنافع * (ولا هم ينصرون) * هذا في دفع المضار فهذا النفي للأمر المستقل به النافع * (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) * هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل أو بغيره كالشفاعة فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته (49 - 57) * (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال: * (وإذ نجيناكم من آل فرعون) * أي: من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك * (يسومونكم) أي: يولونهم ويستعملونهم * (سوء العذاب) * أي: أشده بأن كانوا * (يذبحون أبناءكم) * خشية نموكم * (ويستحيون نساءكم) * أي: فلا يقتلونهن فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة مستحيى على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم * (وفي ذلكم) * أي: الإنجاء * (بلاء) * أي: إحسان * (من ربكم عظيم) * فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليه التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده أي: ذهابه * (وأنتم ظالمون) * عالمون بظلمكم قد قامت عليكم الحجة فهو أعظم جرما وأكبر إثما ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك * (لعلكم تشكرون) * (الله) * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله * (فأخذتكم الصاعقة) *: إما الموت أو الغشية العظيمة * (وأنتم تنظرون) * وقوع ذلك كل ينظر إلى صاحبه * (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) * ثم ذكر نعمته عليهم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق فقال: * (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن) * وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك * (والسلوى) * طائر صغير يقال له السماني طيب اللحم فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم
(٥٢)