عليهم وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم فامتنعوا من ذلك فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله مع علمهم بذلك ولهذا قال تعالى: * (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) * من الكفر والمعاصي لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة فالموت أكره شيء إليهم وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال: * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * وهذا أبلغ ما يكون من الحرص تمنوا حالة هي من المحالات والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا * (والله بصير بما يعملون) * تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم (97 - 98) * (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) * أي: قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان أن وليك جبريل عليه السلام ولو كان غيره من ملائكة الله لآمنوا بك وصدقوا إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على الله فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك والله هو الذي أمره وأرسله بذلك فهو رسول محض مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل - مصدقا لما تقدمه من الكتب - غير مخالف لها ولا مناقض وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي لمن آمن به فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك كفر بالله وآياته وعداوة لله ولرسله وملائكته فإن عداوتهم لجبريل لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله والذي أرسل به والذي أرسل إليه فهذا وجه ذلك (99) * (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) * يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات) * تحصل بها الهداية لمن استهدى وإقامة الحجة على من عاند وهي في الوضوح والدلالة على الحق قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله وخرج عن طاعة الله واستكبر غاية التكبر (100) * (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) * وهذا فيه التعجب من كثرة معاهداتهم وعدم صبرهم على الوفاء بها ف كلما تفيد التكرار فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض ما السبب في ذلك؟ السبب أن أكثرهم لا يؤمنون فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود ولو صدق إيمانهم لكانوا مثل من قال الله فيهم: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * (101 - 103) * (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ولما جاءهم) * أي: ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به * (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله) * الذي أنزل إليهم أي: طرحوه رغبة عنه * (وراء ظهورهم) * وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين وهم يعلمون صدقه وحقيقة ما جاء به تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق في أيديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول فصار كفرهم به كفرا بكتابهم من حيث لا يشعرون ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع ابتلى بالاشتغال بما يضره فمن ترك عبادة الرحمن ابتلى بعبادة الأوثان ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه ابتلي
(٦٠)