تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٦
ولا تكذبوهم فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها معاني لكتاب الله مقطوعا بها ولا يستريب بهذا أحد ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل والله الموفق (75 - 78) * (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون * أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون * ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) * هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه فيضعون له معاني ما أرادها الله ليوهموا الناس أنها من عند الله وما هي من عند الله فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال: * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم * (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) * فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم قال بعضهم لبعض: * (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) * أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبرونهم أنكم مثلهم فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟ يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق وما هم عليه باطل فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم * (أفلا تعقلون) * أي: أفلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض * (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين فإن هذا غلط منهم وجهل كبير فإن الله يعلم سرهم وعلنهم فيظهر لعباده ما أنتم عليه * (ومنهم) أي: من أهل الكتاب * (أميون) * أي: عوام ليسوا من أهل العلم * (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) * أي: ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم فذكر في هذه الآيات علماءهم وعوامهم ومنافقيهم ومن لم ينافق منهم فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال والعوام مقلدون لهم لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين (79) * (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * توعد تعالى المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون: * (هذا من عند الله) * وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق وإنما فعلوا ذلك مع علمهم * (ليشتروا به ثمنا قليلا) * والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق بل بأبطل الباطل أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال: * (فويل لهم مما كتبت أيديهم) * أي: من التحريف والباطل * (وويل لهم مما يكسبون) * من الأموال والويل: شدة العذاب والحسرة وفي ضمنها الوعيد الشديد قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله: * (أفتطمعون) * (إلي) * (يكسبون) *: فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصله من البدع الباطلة وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين وهذا معنى الكتاب والسنة وهذا معقول السلف والأئمة وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»